الطريق إلى الهول: عائلات أسترالية تحكي رحلة بناتهن إلى مخيم زوجات داعش

Mariam Daboussy in Australia (Left) And Mariam when she appeared at ABC program from Al-Hawl camp as an ISIS refugee

Mariam Daboussy in Australia (Left) And Mariam when she appeared at ABC program from Al-Hawl camp for ISIS families Source: Supplied/ABC Four Corners

الخوف زاد لدى العائلات الأسترالية على سلامة بناتهن مع التهديد بغزو تركي لشمال سوريا


أعرب عدد من العائلات الأسترالية عن خشيتهم على سلامة ذويهم العالقين في مخيم الهول شمالي سوريا. المخيم الذي يقع في المناطق الخاضعة للإدارة الكردية مهدد بغزو تركي وشيك، بعد انسحاب مفاجئ للقوات الأميركية من الحدود السورية التركية.

المخيم أصبح ملاذا لأكثر من 70 ألف من عائلات تنظيم داعش أغلبهم من النساء والأطفال ينحدرون من 54 جنسية مختلفة، بين هؤلاء 66 أسترالياً كلهم من النساء والأطفال.

في سيدني، يحمل كمال دبوسي همّ تمثيل الاستراليين العالقين في مخيم الهول، فهو أيضا لديه ابنته مريم عالقة هناك مع اثنين من ابنائها.
Mariam Daboussy as a kid (L) and Mariam as an adult in Australia (R)
Mariam Daboussy as a kid (L) and Mariam as an adult in Australia (R) Source: Supplied
يتذكر كمال كيف أبلغته الحكومة بالخبر: "أول مرة أعرف أن ابنتي في سوريا عندما دقت الحكومة الأسترالية على بابي وقالوا لي إن ابنتك أُجبرت على الذهاب هناك."

غادرت مريم في سن الثالثة والعشرين برفقة زوجها خالد ذهب وابنتها في رحلة ترفيهية تشمل عدد من الدول، لكنها فوجئت أنها في مناطق سيطرة داعش في سوريا. وقال كمال "هي لم تعرف أنها ذاهبة إلى هناك، وصلت إلى الحدود وحدث إطلاق نار ثم تم فصل الرجال عن النساء وفوجئت أنها في سوريا."

يعتقد كمال أن زوجها خدعها للذهاب إلى سوريا دون معرفتها. بعد ستة أشهر من الوصول، قُتل زوجها بغارة جوية على معسكر للتدريب كان موجودا فيه. قال كمال "قالت لي الأفكار الموجودة هنا أفكار غلط وهي ترغب في الانسحاب وإنقاذ نفسها." وأضاف "بعد وفاة زوجها حاولت الهرب مرة لكن قُبض عليها وأعيدت إلى هناك وبقيت 17 شهرا منقطعة عن الاتصال."
تزوجت مرتين بعد زوجها وأنجبت طفلين لم ينجُ منهما إلا واحد، قال دبوسي " كان أمامها خيار الزواج أو السجن." وأضاف "كانت الاتصالات تتم تحت مراقبة أمنية مكثفة لذا لم تتطرق إلى تفاصيل، فقط تطمئني أنها بخير."

لم تظهر مريم دبوسي مرة أخرى إلا مع موجة النزوح الهائلة التي خرجت من الباغوز، آخر البلدات التي طُرد منها تنظيم داعش. تم وضعها مع غيرها من النساء والأطفال في مخيم الهول.

كمال ذهب إلى هناك في شهر أغسطس آب والتقى ابنته للمرة الأولى منذ أربعة أعوام ونصف. وقال دبوسي "أنا كأب شعرت بالضعف والعجز،لأني كأب من المفترض أن أرعى عائلتي. لما لم استطع إنقاذ ابنتي ومساعدتها، وهذا نفس الإحساس الذي أشعر به الآن."

استمعوا إلى المقابلة كاملة مع كمال دبوسي باللغة العربية في الرابط أعلاه

لم يذهب دبوسي وحده إلى المخيم بل صاحبته هيام ذهب، ولديها أيضا ابنة هناك في المخيم هي نسرين ذهب. كانت نسرين رفقة عائلتها في زيارة إلى مسقط رأسها في طرابلس لبنان، عندما غادرت المنزل في عمر الواحدة والعشرين مع ابنة عمها.

تتذكر هيام تلك الفترة "اتصلت بي بعد 17 يوما وقالت لي إنها بخير وأنها تزوجت لكنها لم تخبرني أين كانت." علمت هيام لاحقا أن نسرين ذهبت للتطوع في أعمال خيرية على الحدود السورية التركية، لكن تم خداعها وإدخالها إلى مناطق سيطرة داعش ولم تتمكن من الخروج بعدها.
Nisreen Zahab (L) in ISIS camp in Syria, and Nisreen back in Australia (R)
Nisreen Zahab (L) in ISIS camp in Syria, and Nisreen back in Australia (R) Source: Supplied/ABC Four Corners
تزوجت نسرين من الأسترالي الداعشي الشهير أحمد مرعي وأنجبت منه طفلا واحدا. قالت هيام "حاولت هي وزوجها الهرب من مناطق داعش ثلاث مرات وفي إحداها ألقي القبض عليها من قبل الأكراد."

أرسل الأكراد زوجها إلى العراق حيث حُوكم هناك وصدر ضده حكم بالإعدام شنقا، بينما أعادوها هي إلى مناطق سيطرة داعش، حيث لم تخرج إلا مع الخروج النهائي من الباغوز. 

رأتها هيام للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات قبل أسابيع "عندما التقيتها شعرت كما لو كانت روحي طالعة ورجعتلي مرة أخري." وأضافت "قالت لي لا تتركيني، هتروحي وتتركيني، قلت لها إن شاء الله تطلعي قريب."

استمعوا إلى المقابلة كاملة مع هيام ذهب

وضعا مأساويا

الآن كل ما ترغب فيه نسرين هو العودة إلى أستراليا كما تقول والدتها: " قالت لي إنها ترغب في العودة، لكنها تخشى السجن." وأضافت "لكنها ترغب في العودة مهما كانت العواقب، المهم أن تعود إلى بلدها."

وقالت هيام "هن لسن متطرفات لو كن كذلك ما رغبن في العودة إلى بلادهن." وأكدت "لنفترض أنهم أخطئوا والآن يرغبون في تصحيح الخطأ ويطلبون المساعدة الجميع يخطئ وهن أستراليات ولدن وتربين هنا."
Nisreen Zahab with her mother Hayam (Top left) and two other pictures of Nisreen as a kid
Nisreen Zahab with her mother Hayam (Top left) and two other pictures of Nisreen as a kid Source: Supplied
لم تبد أستراليا حتى الآن أي رغبة في استعادة مواطنيها العالقين في سوريا. وطبقا لآخر الاحصاءات الرسمية فإن 230 أستراليا غادروا البلاد للقتال في سوريا والعراق، قُتل منهم أكثر من 100 شخص.

ما زال هناك 80 أستراليا هناك، منهم 66 من النساء والأطفال في مخيم الهول والباقي من الرجال الموزعين بين السجون الكردية والعراقية واللبنانية. وأعادت أستراليا 40 شخصا، منهم 8 أيتام من أبناء وأحفاد المقاتل الأسترالي الأشهر خالد شروف منتصف الشهر الجاري.
باقي الأربعين عادوا قبل عام 2016، حيث أقرت الحكومة في هذا العام قانونا يعطي الحكومة الحق في تجريد مزدوجي الجنسية الذين التحقوا بتنظيم داعش من جنسيتهم. ومن وقتها بدأت الحكومة في تشديد القوانين لمنع أي أفراد مرتبطين بداعش من العودة إلى البلاد.

آخر تلك القوانين مر خلال العام الجاري، ويسمى "قانون الاستبعاد المؤقت". وبموجب هذا القانون يمكن للحكومة منع أي أسترالي يبلغ من العمر 14 عاما أو أكبر من العودة إلى بلاده لمدة تصل إلى عامين. كما يمنح الحكومة الحق في إعطاء أي أسترالي يرغب في دخول البلاد "تصريح عودة" يمكن وزير الداخلية من فرض قيود عليه داخل البلاد.

ولكن كمال دبوسي لا يعتقد أن تلك القوانين القاسية يجب أن تطبق على ابنته. وقال دبوسي "مريم لم تكن مع مقاتلي التنظيم بأي شكل من الأشكال. حتى الآن لا يوجد دليل على أن أي امرأة أسترالية شاركت في القتال مع التنظيم."
Kamalle Daboussy
Kamalle Daboussy Source: Supplied
وأضاف "لا يوجد دليل على ارتكاب أي امرأة أسترالية لأي جرم سوى أنهن كن في هذا الجزء من العالم."

وقال كمال "حتى لو هناك أي دليل، يجب أن يتم تطبيق حكم القانون." مؤكدا "لو ارتكبن أي خطأ يجب أن يذهبن إلى المحكمة وتتم الإجراءات هنا في أستراليا."

ظروف مروعة

في آخر تقرير أصدرته الأمم المتحدة عن الوضع في المخيم وصفت الوضع هناك أنه مروع. وقال رئيس لجنة تقصي الحقائق في الصراع السوري التابعة للأمم المتحدة باولو بينهيرو إن حوالي 70 ألف شخص عالقين في المخيم في ظروف "غير إنسانية وبائسة."

كانت صدمة الأم هيام عندما زارت ابنتها لا توصف: "عندما احتضنتها لم أتعرف عليها، لا تملك أكتاف أو صحة، عندما غادرت هنا كانت بصحة جيدة." وأضافت هيام "الخيام غير مثبتة في الأرض ودرجة الحرارة 52 درجة والوضع مزري للغاية."
Women and children who had fled areas under Islamic State group control in the al-Hawl camp in northern Syria, March 28, 2019. (Ivor Prickett/The New York Times)
Women and children who had fled areas under Islamic State group control in the al-Hawl camp in northern Syria. Source: The New York Times
وقالت "الخيمة وضعها سئ، والفراش رقيق للغاية، والأرض غير مستوية حيث يمكن أن تسقط مائة مرة بمجرد السير عليها." وأضافت " كنت مصدومة أن أبنائنا، أبناء العز، أبناء أستراليا، يعيشون هذه العيشة...منسيين."

كمال أيضا يشعر بالخوف على مصير الأستراليين في المخيم خاصة الأطفال. وقال دبوسي "الأطفال في المخيم يشكلون نسبة 28%، لكن نسبتهم من الوفيات حوالي 80% من الأطفال أقل من 5 سنوات." وأضاف "هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للموت بسبب الأمراض وقلة الأكل وقلة الماء."
وقدرت الأمم المتحدة أن 390 طفلا توفوا في المخيم بسبب سوء التغذية والجروح التي لم تُعالج. وقال كمال "عشرون فقط من الموجودين فوق سن الثامنة عشر، والباقي من الأطفال. حتى أن بعض البالغين كانت أعمارهم 14 و15 عاما عند وصولهم سوريا والآن أعمارهم 18 و19."

المتطرفات يحكمن المخيم

لا يقتصر خوف الأهل على العوامل الخارجية مثل الغزو التركي المحتمل للمناطق الكردية، بل يمتد ليشمل الأذى من داخل المخيم. خلال الفترة الأخيرة تصاعدت أعمال العنف داخل المخيم، والذي تمارسه نساء متشددات بحق باقي النزلاء.

وقال مصطفى بالي المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية التي تقوم على الأمن في المخيم:" الوضع في المخيم يتدهور بسرعة حيث يصعد مسلحي داعش من جهودهم لإعادة تجميع قواهم من خلال النساء داخل المخيم."

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهي جهة معارضة تراقب الحرب في سوريا ومقرها لندن، إن المخيم شهد الشهر الماضي قيام نساء من التنظيم بعقد جلسة محاكمة سرية لامرأة أخرى بتهمة غير معروفة. وعندما تدخلت قوات الأمن الكردية (الآسايش) تبادلت تلك النسوة إطلاق النار بأسلحة خفيفة مع القوات، ما أسفر عن مقتل امرأة واحدة وإصابة عدد من الأشخاص من الجانبين. وبعد الواقعة ألقت القوات الكردية القبض على 40 امرأة يُعتقد أنهن ضالعات في المحاكمة.
Women living inside Al-Hawl camp which houses relatives of Islamic State group members, walk inside the site in al-Hasakeh governorate in northeastern Syria.
Women living inside Al-Hawl camp which houses relatives of Islamic State group members, walk inside the site in al-Hasakeh governorate in northeastern Syria. Source: AFP
لكن الأكراد يعملون من أجل ضبط الوضع داخل المخيم مترامي الأطراف. وقالت هيام ذهب "الأستراليات لا يغادرن الخيمة خوفا من المتطرفات." وأضافت "عندما أجرت نسرين مقابلة تلفزيونية ترددت في كشف وجهها بسبب خوفها من هؤلاء النساء."

وقالت "كانت تخشى أن تعود لتجد خيمتها محترقة، أو تتعرض للهجوم والقتل ليلا مع طفلها." وأكدت "كما أنهن لا يغادرن خوفا من تعرض الأطفال لعملية غسيل مخ."

وقال دبوسي "الآن في المخيم الأطفال أكثر عرضة لأفكار داعش عما كانوا عليه خلال السنوات الأربعة الماضية." وأضاف "الأطفال يسمعون أشياء لم يعرفوها من قبل، ويشاهدون عبارات مكتوبة وأفكار وتحركات النساء المتطرفات ثم يعودون لأمهاتهم ويسألون عن تلك الأمور."
شرح دبوسي السبب في ذلك قائلا: "عندما كانوا هناك، كان دور الأستراليات  مقصورا على الإنجاب فقط، لم يحملوا هذه الأفكار ولم يندمجوا في المجتمع هناك وكان دورهم في البيت فقط." مؤكدا " كانوا يحمون أولادهم ويحاولون توفير نفس الحياة التي كانوا يملكونها في أستراليا. الأشياء التي تربوا عليها، يحاولون أن يجعلوا ابنائهم يعيشون بنفس الطريقة."

واعتبر كمال أن هذا سبب أدعى للإسراع في إعادتهم "لو أردنا فعلا مساعدة هؤلاء الأطفال والنساء يجب أن نعيدهم الآن قبل غدا"

ضغط دولي متزايد

الضغط على الحكومة الأسترالية يأتي من الداخل والخارج. الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد هدد أثناء استقباله رئيس الوزراء سكوت موريسون في الولايات المتحدة، بإطلاق سراح معتقلي داعش على حدود الدول التي ترفض إعادتهم.

ومن بين 54 دولة ينتمي إليها المحتجزين شمال سوريا، لم تعلن سوى أربع دول فقط عن استعدادها لأخذ كل مواطنيها من هناك هم السودان وماليزيا والمغرب وكوسوفا. وقال ترامب إن الدول الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا، لا يجب أن تنتظر أن تنفق الولايات المتحدة مليارات الدولارات لاحتجاز مواطنيها لمدة 50 عاما قادمة.
لكن وزارة الخارجية الأسترالية كررت موقفها المعلن من إعادة النساء والأطفال، حيث قالت وزيرة الخارجية ماريس باين "الأمر خطير للغاية، ومعقد للغاية، ويحتاج إلى وقت طويل." وأضافت في حديث مع راديو ABC "كما قلنا دائما الأمر صعب للغاية، وقدرتنا محدودة على تقديم المعونة للأستراليين العالقين في سوريا ومناطق النزاع الأخرى."

وأكدت "رغم اهتمامنا بسلامة هؤلاء الناس إلا أن أولويتنا الأولى هي حماية أستراليا والشعب الأسترالي."

لكن كمال ما زال متفائلا: "لاحظنا مؤخرا أن نبرة الحديث الخاصة بالحكومة خفت كثيرا، في البداية كان حديثهم قاسياً  الآن خفت." وأضاف " أتبادل الرسائل مع بعض السياسيين ولكني لم أقابل أي منهم ولا يوجد خطوة ملموسة حتى الآن."

وقال دبوسي "عاجلا أو آجلا يجب أن يعود هؤلاء إلى أستراليا."

وقالت هيام "كل النساء هناك بحاجة لمساعدة نفسية بسبب ما مر بهم وما رأوه من أمور غير طبيعية." وأضافت أن هؤلاء أجبروا على البقاء في مناطق داعش ولم يتمكنوا من المغادرة.

وقالت "لدي أحساس أنها ستعود قريبا، نريد نسيان كل سنين الظلم والقهر هناك. هي ترغب في العودة واستئناف دراستها."


شارك