لا تزال شوارع المدن اللبنانية تغص بمئات الآلاف من المتظاهرين احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية. ورفع المحتجون العلم اللبناني وسط غياب أعلام الأحزاب في مشهد نادر تخطى فيه اللبنانيون انقساماتهم الطائفية والحزبية وطالبوا فيه بصوت واحد بمحاسبة المسؤولين وضبط الفساد المالي المستشري في مؤسسات الدولة.
ووُصفت التظاهرات بالعفوية حيث لا تقف وراءها جهة بعينها مما يضع المتظاهرين في موقف ضعيف بما يتعلق بقائمة المطالب وسقف التوقعات التي راحت إلى حد المطالبة بإسقاط النظام برمته ودعوة الجيش لاستلام زمام الأمور وتشكيل حكومة مؤقتة إلى حين إجراء انتخابات مبكرة.
وقال رئيس تحرير صحيفة النهار اللبنانية نبيل بو منصف في حديث لأس بي أس عربي24 إنه على الرغم من إعجابه بالمشهد الوطني الوحدوي في التظاهرات، لا يزال يشعر بالتوجس مما قد تؤول إليه الأمور بسبب البنية الطائفية "الهشة" التي يتسم بها المجتمع اللبناني: " اذا شعرت جهات معينة بالتهديد من المشهد الوطني الذي لا يتجاوز عمره أربعة أيام، يُخشى من افتعال أحداث تضعف هذا المشهد (..) لبنان بلد مخترق ومن الممكن أن يتم العبث به في هذا الإطار."
وأضاف بو منصف إن التظاهرات في الأيام الأربعة الماضية رسمت واقعاً جديداً في لبنان يصعب معه التكهن بما ستؤول إليه الأمور وراح إلى القول بأن "انتفاضة" الشعب اللبناني بهذه الطريقة لم تكن في حسبان أحد: " رسم المتظاهرون ليلة أمس مشهداً خيالياً في بيروت وطرابلس وكسروان والجنوب (..) في الساعات المقبلة سيتضح أكثر الاتجاه الذي ستمضي فيه البلاد."
Source: ABACA
وحول افتقار التظاهرات لقيادة منظمة، اعتبر بو منصف في ذلك جانباً ايجابياً يتمثل بالتأكيد على استقلال التظاهرات وقيامها بشكل أساسي على الرفض المطلق للطاقم السياسي والغضب من تدهور الأوضاع المعيشية والتآكل الاقتصادي: " الناس باتوا جوعى وفقراء ومحتاجين والشباب الجامعيون عاطلون عن العمل (..) كل فئات المجتمع انتفضت وبشكل عابر للطوائف."
أما الجانب السلبي حسبما قال بو منصف هو ضبابية المشهد وعدم وضوح ما سيؤول إليه تحرك الشارع الذي يبدو غير قادر على رسم آفاق واضحة منطقية لسقف مطالباته. وبالقياس على ثورات شعبية في دول عربية أخرى، كان دائماً هنالك جهة قادرة على التفاوض ضمن أطر تضمن التوصل إلى حلول قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
وبالنسبة لطريقة تعامل القوى الأمنية مع المتظاهرين، أشاد بو منصف بالدور الذي يلعبه الجيش في ضبط الشارع وضمان حرية التظاهر ولكن في نفس الوقت محاسبة الساعين إلى العبث بالأمن: " في عام 2005 اتخذ الجيش اللبناني بقيادة ميشال سليمان آنذاك قرار حماية متظاهري 8 آذار و14 آذار على حد سواء (..) في الحراك الشعبي الحالي لا يزال الوضع الأمني مستتب ولم نرَ مشاكل تُذكر سوى في تجاوزات محدود وأعمال شغب صدرت عن أفراد أساءوا للمشهد العام ولكن القوات الأمنية تعاملت معهم بالحزم اللازم."
Source: ABACA
وعلّق الأمين العام لحزب الله حسن نصر على الأحداث بدعمه للحكومة قائلاً إن الوضع لا يسمح بإسقاطها في الوقت الحالي. وفي الوقت الذي أبدى تفهمه للظروف التي دفعت بالناس إلى الشوارع، لوّح باحتمال نزول الحزب إلى الشارع بطريقة "ستغير كل المعادلات."
وقال بو منصف وهو معارض لحزب الله، إنه قرأ في خطاب نصر الله تبريراً أمام القاعدة الشعبية للحزب لعدم المشاركة في الحركة الاحتجاجية إلى جانب رسائل أخرى: " لا أستطيع أن أنفي ان الرسالة وصلت كما لو انه تهديد أي اذا نزلنا للشارع لن يظهر أحد." ولكنه استبعد في ذات الوقت أن تصل الأمور إلى هذا الحد.
استمعوا إلى المقابلة مع الأستاذ نبيل بو منصف في التدوين الصوتي.
