مثل النائب السابق في برلمان نيو ساوث ويلز لليوم الثاني على التوالي للإدلاء بأقواله في التهم المنسوبة إليه والتي تشمل استغلال منصبة لتحقيق مصالح شخصية، بما في ذلك التوسط في صفقات عقارية والاشتراك في تأمين تأشيرات إلى أستراليا لمواطنين صينيين.
وكشف داريل ماغواير نائب واغا واغا السابق البالغ من العمر 61 عاما أنه أخذ أحد المطورين العقاريين إلى مكتب رئيسة حكومة الولاية غلاديس بريجيكليان في زيارة مفاجئة، لكنه أكد أنه الاجتماع لم يشهد أكثر من "اللطف المتبادل" بين الطرفين.
ووجدت رئيسة الحكومة نفسها في قلب فضيحة الفساد التي تعصف بالنائب السابق بعد أن كشفت عن "علاقة شخصية وثيقة" مع ماغواير استمرت لمدة خمس سنوات، منها سنتين بعد استقالته من حكومته بسبب تهم فساد.
لكن بريجيكليان التي نجت من تصويت لطرح الثقة عن حكومتها بالأمس، تصر أنها لا علاقة لها بالتعاملات المشبوهة لماغواير، وأنها لم تر يوما أي صفقات مخالفة للقانون، ولو كانت قد فعلت لأبلغت الجهات المختصة على الفور.
وبغض النظر عن حفاظ بريجيكليان على منصبها أم لا، إلا أنها بالتأكيد ستخرج من تلك الأزمة وقد تضررت سمعتها "ناصعة البياض" بشكل كبير.
بريجيكليان ليست أول سياسية في نيو ساوث ويلز تتورط في فضيحة من هذا النوع أمام المفوضية المستقلة لمكافحة الفساد Independent Commission Against Corruption المعروفة اختصار باسم ICAC.
هذه المفوضية خاصة بولاية نيو ساوث ويلز، والتي لطالما تلطخ المشهد السياسي فيها بفضائح الفساد منذ بداية تأسيس الولاية مطلع القرن التاسع عشر. ولهذا السبب تحديدا تم إنشاء المفوضية المستقلة لمكافحة الفساد عام 1988، وهي ما زالت جهة رقابية أساسية حتى الآن للإشراف على نزاهة التعاملات الداخلية لحكومة الولاية والمشهد السياسي بشكل عام.
بلدة قديمة فاسدة
قبل أن تصبح ولاية نيو ساوث ويلز مستقلة عام 1856، كانت المستعمرة يحكمها إدوارد ديس تومسون، الذي اشتهر بالنزاهة والجدية وعدم القابلية للفساد. ولكن مع انتخاب برلمان كامل ورئيس للحكومة، تغيرت الأوضاع، وجذبت السياسة الديموقراطية الفساد من البداية.
وكانت السياسة وقتذاك، والآن، جرة من العسل، حيث يسعى النواب والوزراء الجشعين والمتطلبين دائما للاستفادة من عملهم العام والوظائف ومشاريع البناء والعقود الحكومية بالإضافة إلى التلاعب بالنظام القضائي الجنائي.
ولطالما تمتعت نيو ساوث ويلز بوجود شبكة سفلية وغير أخلاقية من السماسرة والوسطاء والذين يمكنهم التأثير على القرارات مقابل الثمن المناسب.
وتاريخيا كان يتم النظر إلى مدينة سيدني باعتبارها بلدة فاسدة قديمة، وسواء كان هذا بسبب تاريخها المرتبط بالقراصنة خلال فترة استخدامها كمستعمرة للمحكومين، أو بسبب أن كل الأحداث الهامة تقع بها، يظل التساؤل مفتوحا.

A photograph taken during the voyage of H.M.S. Challenger (1872-1876) funded by the British Government for scientific purposes. Source: NATURAL HISTORY MUSEUM
لقطات من تاريخ من نيو ساوث ويلز "غير المشرف"
مهدت الأيام الأولى لمستعمرة نيو ساوث ويلز لتاريخ طويل من الفساد السياسي والبيروقراطي، ومن بين أبرز تلك المحطات:
- كشفت لجنة تحقيق ملكية عام 1905 عن تورط وزير الأراضي آنذاك Paddy Crick في عمليات ابتزاز وفساد واسعة النطاق ما أدى إلى استقالته.
- الصفقات المشبوهة التي أجراها وزير الزراعة WC Grahame أدت إلى استقالته عام 1920.
- لجنة ماكسويل الملكية عام 1951 كشفت عن تورط واسع للشرطة في الفساد وبيع الكحول في مجتمعات السكان الأصليين بالمخالفة للقانون.
- خلال فترة حكم رئيس حكومة نيو ساوث ويلز الأحراري Bob Askin بين عامي 1965 و1975 شهدت الولاية تفشٍ للفساد في أعلى مستويات السياسة والشرطة.
- خلال فترة حكم رئيس الحكومة العمالي Neville Wran بين عامي 1976 و1986 حوكم كل من وزير السجون والخدمات الإصلاحية وكبير القضاة في الولاية بتهم فساد وتم إدانتهما وإيداعهما السجن.
- وفي نهاية التسعينات، كشفت لجنة وود الملكية عن وجود فساد ممنهج ومتجذر في صفوف قوات الشرطة في الولاية.
تشكيل المفوضية المستقلة ثم إسقاط مؤسسها
استجابة لعاصفة الادعاءات بتفشي الفساد خلال حكم العمالي Wran، أنشأ رئيس حكومة الولاية الأحراري Nick Greiner المفوضية المستقلة لمكافحة الفساد. وحصل هذا الكيان الجديد على صلاحيات واسعة واستقلال لا يمكن زعزعته.
وللمفارقة، كان رئيس الحكومة الذي أنشأ المفوضية، أحد ضحاياها المبكرين، ففي عام 1992، وجدته المفوضية مذنبل بتهمة الفساد بسبب تعيين النائب الأحراري المنشق Terry Metherell في منصب حكومي رفيع، لتتمكن الحكومة من استعادة مقعده الآمن إلى صفوفها.
هذه الإدانة تم لاحقا إسقاطها في محكمة الاستئناف، واليوم يتفق الغالبية على أن Greiner ارتكب مخالفة على المستوى الإجرائي فقط، لأنه لم يستفد بشكل شخصي، وفي عهد ما قبل المفوضية فإن خطوة كتلك كان يُنظر غليها باعتبارها حركة سياسية بارعة.

Federal President of the Liberal Party of Australia Nick Greiner speaks at the 61st Federal Council of the Liberal Party of Australia in Canberra Source: AAP
سقوط رئيس الحكومة الأحراري في حد ذاته كان أبرز دليل على التغيير المزلزل الذي حدث في سياسة نيو ساوث ويلز، في محاولة للتخلص من الفساد. انتهى عهد تبادل المصالح وتمرير الفساد وتبادل المحاباة.
الجميع في المشهد السياسي والخدمة العامة تلقى الرسالة، أن التعاملات غير القانونية سيتم التحقيق فيها ومعاقبة مرتكبيها علانية.
سقوط إيدي عبيد
أدت تحقيقات المفوضية المستقلة إلى الكشف عن تعاملات الوزير السابق في حكومة نيو ساوث ويلز وأحد أكثر أعضاء حزب العمال نفوذا إيدي عبيد. وقالت المفوضية إن عبيد تمتع بنفوذ استثنائي خلال فترات حكم العمال تحت قيادة Morris Iemma وKristina Keneally.
ووجدت المفوضية أن إمبراطورية المال والأعمال التي امتلكتها عائلة عبيد كان لها أياد خفية في أعلى مستويات الحكم والإدارة. استمرت التحقيقات بين 2012 إلى 2014 وأدت في النهاية إلى إدانة عبيد والحكم عليه بالسجن.
وفي عام 2014 استقال رئيس حكومة الولاية الأحراري Barry O’Farrell من منصبه بعد أن أنكر أمام المفوضية المستقلة أنه تلقى زجاجة من النبيذ الفاخر من أحد مساعدي عبيد، والذي كان يسعى للحصول على أحد العقود الثمينة داخل الحكومة.

Eddie Obeid (left) arrives at the Supreme Court of NSW in Sydney, Thursday, February 20, 2020. Source: AAP
أقر O’Farrell أن ذاكرته قد خانته، وتم تبرئته من ارتكاب أي جرم من قبل المفوضية، لكنه استقال على كل حال.
وخلال الأعوام الماضية، خدعت المفوضية نفسها للتدقيق، ففي عام 2015 تم اتهامها بالتغول على السلطات التنفيذية خاصة خلال ملاحقتها لنائبة المدعي العام Margaret Cunneen.
وانتقد المحقق في المفوضية والقاضي السابق David Levineبشراسة ملاحقة الهيئة للسيدة Cunneen ووصفها أنها "غير عادلة وغير منطقية وقمعية."
ونتيجة لذلك تم إعادة هيكلة المفوضية، وتم استبدال المفوض بلجنة من ثلاثة أشخاص، كبير المفوضين بدوام كامل واثنين من المفوضين بدوام جزئي.
وتم استبدال القاضية Megan Latham بقاضي المحكمة العليا الذي يحظى باحترام واسعة Peter Hall في منصب كبير المفوضين عام 2017.
وكان Levine قد اقترح من زمرة التعديلات أن يتم إلغاء التحقيقات العلنية والتي تؤذي إلى تلطيخ للسمعة بشكل قد لا يكون مستحق. كما اقترح وضع طريقة لتبرئة ساحة من تم إيجاد أدلة على فسادهم ولكن برئتهم المحكمة، وأن يكون هناك مراجعة قضائية لقرارات المفوضية.
لكن تلك التوصيات تم رفضها في هذا الحين، ولكن ربما تستحق إعادة النظر مرة أخرى في ضوء ما شهده تحقيق داريل ماغواير والذي أدى إلى تلطيخ سمعة رئيسة حكومة الولاية بشكل غير عادل بسبب شهادتها في التحقيق.
دايفيد كلون هو مشارك فخري في العلاقات الدولية والحكومية في جامعة سيدني. ولن يحقق كلون أي منفعة شخصية بشكل مباشر أو غير مباشر من هذا المقال