قالت ناشطات سعوديات إن تعديلات قوانين السفر والأحوال المدنية التي شهدتها المملكة مؤخرا لن تحدث فارقا ملحوظا في وضع النساء هناك. وكانت السعودية قد أصدرت حزمة إصلاحات لقوانين السفر والأحوال المدنية تسمح للنساء لأول مرة بالسفر دون إذن من ولي الأمر.
وطبقا للتغييرات الجديدة فإن أي شخص يتجاوز عمره 21 عاما بغض النظر عن جنسه يمكنه السفر مباشرة دون أذن.
قوانين "الولاية" في السعودية حظت بشهرة عالمية العام الماضي بسبب قضية اللاجئة السعودية الشابة رهف القنون. وأعقب ذلك تسليط الضوء على عدد من قضايا هروب الفتيات من المملكة وطلب اللجوء في دول غربية بسبب قوانين الولاية. وكان منع النساء من السفر دون إذن ولي هو أكثر تلك القوانين إثارة للجدل.
نورا الحربي شابة سعودية تبلغ من العمر واحد وعشرين عاما، حصلت على حق اللجوء في أستراليا مطلع العام الجاري. نورا طالبة وناشطة نسوية وتعتقد أن التعديلات الأخيرة كان وراءها.

Rahaf Mohammed stands with Canadian Foreign Minister Chrystia Freeland (right) after being granted asylum in 2019. Source: AAP
قالت نورا ""هدف الحكومة من هذا القانون تصعيب قبول طلبات لجوء النساء السعوديات." وأضافت " ما زال هناك أسباب أخرى للحصول على اللجوء مثل عدم وجود قانون للحماية من العنف."
من جانبه، قال آدم كوجل الباحث في منظمة هيومن رايتس واتش والمختص في منطقة الشرق الأوسط، إن تلك التعديلات الجديدة لا تعني تقويض حق النساء السعوديات في الحصول على لجوء. وقال آدم "قضايا اللجوء يجب أن يتم تقريرها بناء على كل حالة على حدة. أي امرأة سعودية فرت من البلاد بسبب خوف حقيقي من التعرض للملاحقة أو الأذى يجب أن تُمنح فرصة التقدم بطلب لجوء وتقييم هذا الطلب بشكل عادل."
ورفض كوجل فكرة أن التعديلات الأخيرة تعني سقوط قانون الولاية: "لم أحب أبدا أن يتم وصف نظام الولاية باعتباره "قوانين"، لأنه يعطي انطباعا خاطئا. التمييز ضد النساء في المملكة هو شبكة من القوانين الحكومية وممارسات التمييز المجتمعي التي لا تعارضها الحكومة."
وشملت التعديلات الأخيرة أيضا منح النساء حق تسجيل المواليد، وتسجيل أوراق الزواج والطلاق والحصول على المستندات الأسرية المختلفة بعد أن كانت حقوقا حصرية للرجال.
لكن كوجل يعتقد أن المرأة السعودية ما زال أمامها طريقا طويلا: "ما زال هناك مجالات تتعرض فيها النساء للتمييز في السعودية، أبرزها ضرورة الحصول على إذن ولي الأمر للزواج أو الدراسة في الخارج."
من جهته، اعتبر نافع الشيباني المتحدث باسم السفارة السعودية في كانبرا أن تعديل تلك القوانين جاء متماشيا مع جهود المملكة الرامية إلى "رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، والاستمرار في تنمية مواهبها واستثمار طاقتها، وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة للإسهام في تنمية المجتمع والاقتصاد." وقال الشيباني إن المملكة حريصة على "تعزيز دور المرأة وتمكينها من القيام بمسؤولياتها وفق ما لديها من قدرات تؤهلها لشغل مواقع فاعلة في بنية المجتمع، ولذلك قامت المملكة بمراجعة وتعديل الأنظمة التي قد تحد من تحقيق ذلك."
وكان ولي العهد القوي محمد بن سلمان قد كشف عام 2016 عن رؤية شاملة للإصلاح أطلق عليها "رؤية 2030". وتشمل تلك الرؤية إجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية لجعل البلاد أكثر انفتاحا وتنويع مصادر الدخل. وكانت بداية تلك الإصلاحات في مجال حقوق النساء مرسوم السماح للمرأة بقيادة السيارة في سبتمبر أيلول عام 2017.

Saudi Crown Prince Mohammed bin Salman. Source: AAP
إصلاحات وسجينات
لكن نورا الحربي لا ترى تحولا حقيقيا في خطاب حكومة المملكة الموجه للنساء، خاصة الناشطات النسويات. وقالت الحربي "خلال الشهرين الماضيين شاهدنا كوثر الأربش عضو مجلس الشورى السعودي وهي تصف النساء اللاجئات اللاتي هربن من الظلم والعنف والتهميش أنهن مثل "الداعشي المارق". وأضافت "كلية الملك فهد وصفت النسويات أيضا أنهن إرهابيات."
وأكدت نورا أن تعديل القوانين الذي تم لن يؤثر على وضع اللاجئات السعوديات في الدول الغربية. وقالت "أي أمرأة في الخارج لن تأخذ هذه التغييرات على محمل الجد، في الوقت الذي تسمح فيه الدولة لأشخاص يمثلونها بوصفهن بالداعشي المارق."
ولفتت نورا النظر إلى قضية الناشطات النسويات المعتقلات في المملكة حتى الآن. وكانت منظمة العفو الدولية قد اصدرت بيانا بمجرد صدور التعديلات الجديدة يطالب بالإفراج عن الناشطات المحتجزات.

(The New York Times) Source: The New York Times
وقالت المنظمة إن ثلاثة ناشطات هن، لجين الهذلول وسمر بدوي ونسيمة السادة ما زلن خلف القضبان، في حين أُفرج عن عدد آخر من الناشطات على ذمة القضية. وقالت المنظمة إن 14 شخصا على الأقل محتجزون بينهم بعض أقارب الناشطات من الرجال بعد إلقاء القبض عليهم تعسفيا في أبريل نيسان عام 2019.
وتعرضت السعودية لضغط عالمي كبير في ملف حقوق الإنسان ومعاملة الناشطات النسويات وصل إلى ذروته في مارس آذار الماضي مع توجيه الأمم المتحدة انتقادا لاذعا نادرا إلى المملكة النافذة على الصعيد العالمي.
لكن نافع الشيباني المتحدث باسم السفارة السعودية في أستراليا اعتبر أن محاكمة الناشطات لا علاقة لها بالإصلاحات في مجال حقوق المرأة. وقال الشيباني إن تلك المحاكمة شأنا قضائيا محضا. وأضاف " القضاء في المملكة يتمتع باستقلالية كاملة تضمن توفير أعلى درجات الضمانات القضائية للمتهمين في كافة مراحل نظر القضية بدء من الجلسة الأولى وانتهاء بجلسة النطق بالحكم."
لكن نورا الحربي تعتبر قضية الناشطات وثيقة الصلة بالإصلاحات الأخيرة في المملكة. حيث قالت "الحركة النسوية السعودية لعبت دورا كبيرا في انتزاع الحقوق الحالية للمرأة وهي حركة منظمة للغاية وتسعى لضمان كافة الحقوق العالمية المكفولة للمرأة."

Loujain al-Hathloul, Eman al-Nafjan and Aziza al-Yousef are among those on trial. Source: Supplied
وأضافت الحربي "النساء اللواتي بدأن حملة إسقاط الولاية كلهن في السجن الآن." وقالت "يؤسفني جدا عدم وجود شفافية من الحكومة السعودية. شاهدنا كيف وصف التليفزيون الرسمي هؤلاء الناشطات النسويات بالخونة."
تحديات من المجتمع
وقالت نورا إن التعديلات الجديدة ما زال يشوبها الغموض: "حتى الآن لا نعلم آلية التنفيذ وكيف ستحمي الدولة النساء اللواتي يقررن اتخاذ خطوة السفر."
وأضافت إن تلك التغييرات لن يكون لها مردود على أرض الواقع دون وجود قانون واضح لحماية النساء من العنف. وأوضحت "السعودية تملك ميزانية ضخمة ولا توجد حتى الآن منشآت تستطيع المرأة اللجوء إليها لحمايتها من العنف."
يتفق الباحث آدم كوجل مع نورا في أن التغييرات الأخيرة ما زالت غير واضحة "نحتاج إلى عدة أشهر قبل أن نتمكن من تحديد ما الذي تغير بالضبط وما الذي بقى على حاله."
من جانبها، حذرت نورا من ردة فعل المجتمع تجاه تلك التغييرات: "بعض العائلات أحرقت سيارات النساء بعد قانون السماح لهن بالقيادة." وأضافت "المرأة في السعودية وضعها معقد للغاية، فهي ليست فقط تابعة لوالدها وزوجها وأخوها بل للعائلة والقبيلة أيضا." وشددت نورا على أهمية أن تقوم الدولة بتوفير الحماية للنساء اللواتي تقررن السفر طبقا للتعديلات الجديدة عند رجوعهن.
بالنسبة لوزارة الأمن الداخلي في أستراليا لا يبدو أن تلك التعديلات ستؤدي إلى تغيير حاسم في طلبات لجوء النساء السعوديات.

ناشطات في أستراليا في تحرك لدعم مطالبة نساء سعوديات بـ "إسقاط الولاية" يرفعن شعار "أنا ولية أمري" في عام 2016 Source: SBS
وقال المتحدث باسم وزارة الأمن الداخلي "أي شخص يعتقد أن شروط تأشيرة الحماية الإنسانية تنطبق عليه يمكنه تقديم طلب. كل طلب سيتم مراجعته بشكل فردي باستخدام كل المعلومات المتوافرة بخصوص الوضع الحالي في الدولة الأم." وأضاف "أستراليا واحدة من دول قليلة توفر برنامج لجوء للنساء المعرضات لخطر العنف أو التحرش أو الانتهاكات بسبب النوع، وخصصت أستراليا برنامج خاص للتأشيرات من هذا النوع أطلقت عليه "نساء في خطر" أو Women at risk."