Feature

النجاة من المملكة: الشبكة السرية التي تساعد النساء السعوديات على اللجوء

مطلع العام الجاري نجحت الشابة السعودية رهف القنون في الوصول إلى كندا وطلب اللجوء هناك. تحت هذا النجاح توجد شبكة من اللاجئين السعوديين تعمل منذ سنوات لجعل اللجوء أكثر سهولة لمواطنيهم في المملكة. هذه هي قصة تلك الشبكة

Saudi woman wearing traditional black veil

Saudi woman wearing traditional black veil Source: Getty Images

في سن الثلاثين قررت نادية ترك السعودية وطلب اللجوء. أمضت نادية عاما كاملا تقرأ عن اللجوء وتتابع نشاطا متزايدا عبر شبكة الأنترنت للاجئين سعوديين في دول غربية. لاحظت نادية زيادة عدد النساء السعوديات اللاتي يطلبن اللجوء ويشاركن تجاربهن، كان هذا قبل ثلاث سنوات من الآن.

بموجب قوانين الولاية الصارمة في المملكة لا يمكن للنساء مباشرة الكثير من حقوقهن دون موافقة أقرب ذكر إليهن أو الولي، سواء كان أخاً أو أباً أو زوجاً. ويجب أن تحصل النساء على موافقة الولي للسفر خارج المملكة.

نادية كانت تعاني من التعنيف المنزلي لفترة طويلة لكن فكرة اللجوء لم تخطر ببالها قبل ذلك. قالت نادية "سافرت برفقة زوجي إلى دول غربية ولكن فكرة اللجوء لم تكن مطروحة على ذهني كخيار."  

لكن هذا تغير في العام 2016، انشأت نادية حسابا على موقع تويتر وبدأت في التواصل مع اللاجئين السعوديين النشطين على موقع التدوينات القصيرة الأشهر في العالم.

ما يميز تويتر أن الحساب لا يحتاج إلى رقم هاتف وبالتالي يمكن أن تبقى الهوية مجهولة. حددت نادية أستراليا وجهة للجوء لأن التأشيرة تصدر ألكترونيا دون متاعب، كما قالت نادية "وقتها كانت التأشيرة السياحية إلى أستراليا من أسهل ما يكون بالنسبة لامرأة سعودية."
Saudi women walk past cars in a Riyadh, Saudi Arabia
Saudi women walk past cars in a Riyadh, Saudi Arabia Source: AP
تواصلت نادية مع ، اللاجئ السعودي في ألمانيا والذي يملك حسابا نشطا في توفير معلومات عن اللجوء على تويتر.

تقدر عدد طالبي اللجوء واللاجئين السعوديين حول العالم بنحو 2430 شخصاً نصفهم تقريبا في الولايات المتحدة.

وطبقا للمفوضية فإن عدد السعوديين من طالبي اللجوء واللاجئين في عام 2014 كان 1033 فقط، أي أن العدد أرتفع بمعدل 135% خلال ثلاث سنوات فقط. وكان عام 2015 هو العام الذي شهد طفرة ملحوظة بزيادة تتجاوز 75% في عام واحد.
لم أكن اتصور أن هناك وجوداً ملموساً لسعوديين يطلبون اللجوء
كان طالب بوابة نادية للدخول إلى عالم اللاجئين السعوديين على الأنترنت "أعطاني معلومات حول مسارات السفر الأكثر أمانا، وخطوط الطيران الأفضل للوصول إلى وجهتي بنجاح." 

وأضافت "المعلومة الأهم بالنسبة لي كانت توقيت تقديم طلب اللجوء، حيث نصحني أن أقدم الطلب بعد دخول أستراليا وليس بمجرد الوصول إلى المطار."

نجحت نادية في الهروب من المملكة ، وبعد وصولها ساعدها طالب في التواصل مع لاجئات سعوديات، قالت نادية "عندما تصل وحيدا، خاصة لو كانت لغتك الإنجليزية غير جيدة، كل ما تحتاجه هو أن تقابل شخصاً في نفس وضعك."

بدأ طالب حسابه على تويتر في مارس آذار عام 2016. قال طالب لـSBS Arabic24 "لم يدر بخلدي وقتها أن أي سعودي سيتواصل معي ويسألني عن اللجوء." وأضاف "لم أكن اتصور أن هناك وجوداً ملموساً لسعوديين يطلبون اللجوء."

وقال طالب "كتبت فقط في التعريف على تويتر أنني طالب لجوء في ألمانيا، وخلال نصف ساعة تواصلت معي امرأة سعودية مقيمة في الولايات المتحدة لتسأل عن اللجوء في ألمانيا."

ازداد نشاط طالب بعد ذلك وانشأ موقعا على الأنترنت يعمل كمنتدى لمساعدة طالبي اللجوء السعوديين في كل مكان في العالم. حجبت السلطات السعودية موقع طالب من داخل المملكة ولكن راغبي اللجوء ما زالوا يتصفحونه من خلال برامج تخطي الحجب.
Rahaf Mohammed Alqunun makes a public statement in Toronto, canada
Rahaf Mohammed Alqunun makes a public statement in Toronto, Canada Source: Getty Images
بالتوازي مع جهود طالب في ألمانيا، كانت فريدة* تقوم بجهود مماثلة في أستراليا. تحدثت فريدة لـSBS Arabic24 وقالت "وصلت إلى أستراليا عام 2016 كلاجئة، وقتها لم أكن على تواصل مع أي شخص في أستراليا."

 انشأت فريدة حسابا على تويتر أيضا وتعرفت من خلاله على لاجئين سعوديين في ألمانيا "وقتها لم يكن معروفا كما هو الآن في مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك لاجئين سعوديين." 

أضافت فريدة "تعرفت من خلال تويترعلى سعوديين في دول مختلفة وانشأنا مجموعات عبر تطبيق التيليجرام."

يتيح تطبيق التيليجرام تبادل الرسائل بشكل مشفّر من الجانبين. قالت فريدة "بدأنا في الإعلان عن أنفسنا عبر تويتر، أننا لاجئون سعوديون، وسرعان ما بدأ الراغبون في اللجوء من السعودية في التواصل معنا."

طالب أيضا وسّع نشاطه إلى تيليجرام وانشأ مجموعة هناك يمكن الوصول إليها من خلال حسابه على تويتر "حاليا تضمّ المجموعة 60 شخصا لكن تقديري أنه مرّ عليها أكثر من 200 شخص منذ انشائها."
وضعت منظمة هيومن رايتس واتش لمغادرة النساء المملكة الغنية بالنفظ، جاء على رأسها عدم القدرة على السفر دون أذن ولي الأمر. أعقب ذلك الإجبار على الزواج والعنف المنزلي، ثم التمييز في مجالات متعددة أبرزها التوظيف والرعاية الصحية وحضانة الطفل والحصول على الطلاق والميراث.

وقال الباحث في المنظمة في ملف السعودية إن "النساء السعوديات يواجهن تمييزا ممنهجا ويُتركن عرضة للعنف المنزلي بسبب نظام قانون الولاية." وأضاف كوجل "على الرغم من وجود عناصر من قانون الولاية في دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط إلا أن القانون في السعودية هو الأكثر قسوة في مدى توسع القوانين والتشريعات وكذلك جهود السلطات لتطبيق تلك القوانين."

الآن، أصبح بإمكان من يفكر في اللجوء الوصول إلى حسابات اللاجئين السعوديين في تويتر، وبعد بناء الثقة يمكن أن ينتقل إلى مجموعات التيليجرام والتواصل مع الآخرين بشكل شخصي أكثر. في تلك المجموعات يحصل الشخص على خطوات مفصّلة من أشخاص موجودين بالفعل في الدولة التي يرغب في اللجوء إليها، وسبق لهم خوض نفس الرحلة المحفوفة بالمخاطر.

ساهم نشاط فريدة في ربطها بالسعوديين اللاجئين في أستراليا، كما قالت "اكتشفت أن هناك لاجئين في أستراليا منذ عام 2010، بدأت في التواصل معهم والتعرف على مجتمع اللاجئين السعوديين هنا."
تستضيف الولايات المتحدة نحو نصف اللاجئين السعوديين في العالم
أصبحت فريدة نفسها أحد نقاط الاتصال للاجئين السعوديين الذي يصلون إلى أستراليا "أغلب السعوديين الذين التقيتهم هنا كانوا يرسلون إليّ عبر تويتر، ويخبرونني أنهم وصلوا إلى أستراليا ومن ثم نلتقي."

تواصلت نادية مع فريدة عند وصولها إلى أستراليا قبل عام وأصبحت نادية جزءا من مجموعات اللاجئين التي تقدم الدعم والمساعدة للآخرين عبر الأنترنت.

تقول نادية إنه رغم أن كل اللاجئين السعوديين في الخارج لا يتواصلون معا بشكل مباشر إلا أن المعلومات الهامة تصل إلى الجميع كما أوضحت "في حال تعرضت أي فتاة لموقف في أي مكان في العالم، يتم إبلاغ الجميع عن طريق السوشال ميديا."

تحظى الولايات المتحدة بنصيب الأسد من حيث عدد اللاجئين السعوديين الموجوديين بها، يليها كندا وبها نحو 450 لاجئاً وطالب لجوء ثم تحل أستراليا في المرتبة الثالثة حيث تستضيف 190. يأتي بعد ذلك الموجودون في كل من بريطانيا وألمانيا ثم السويد ونيوزيلاندا.

وقالت فريدة "هناك لاجئون آخرون في دول مختلفة تطوعوا بانشاء مجموعات للمساعدة." وتضيف "بدأنا نكبر وبدأت تتكوّن سمعة، وبدأ التعارف يزيد."

لكن هذا لا يعني أن كل لاجئ سعودي يتحول إلى ناشط كما قال طالب "البعض بمجرد حصولهم على اللجوء يقومون بمسح حساباتهم على تويتر والاختفاء تماما."
passport of Rahaf Mohammed al-Qunun is seen next to Thai Immigration Police Chief Surachet Hakparn
passport of Rahaf Mohammed al-Qunun is seen next to Thai Immigration Police Chief Surachet Hakparn Source: EPA
شهد مطلع العام الجاري بداية وضع اللاجئين السعوديين .

في يناير كانون الثاني أرسلت الشابة السعودية رهف محمد القنون نداء استغاثة عبر حساب انشأته خصيصا على تويتر لهذا الغرض. رهف تم توقيفها في المطار في تايلاند وهي في طريقها إلى أستراليا حيث كانت تعتزم طلب اللجوء هناك.

هبّ اللاجئون السعوديون لمساعدتها، وخلال ساعات من انشاء الحساب أصبح لديها 45 ألف متابع وانتشرت قصتها في مختلف انحاء العالم.

بعد أسبوع من استغاثتها الأولى كانت رهف في طريقها إلى كندا بعد أن حصلت على اللجوء هناك.

لعب الأنترنت دورا بارزا في عدم نجاح السعودية في إعادة رهف إلى عائلتها، وكما قال القائم بأعمال السفارة السعودية في تايلاند عبد الإله الشعيبي، نصف متهكما، أثناء لقائه بمسؤولين تايلانديين "أنا كنت أتمنى لو سحبوا جوالها أفضل من جواز سفرها."
ليس هروبا ولكن نجاة
قالت فريدة "اللاجئون السعوديون هم من تواصلوا مع الإعلام، في بريطانيا وأستراليا وكل دولة موجودين فيها."

اعتبر اللاجئون نجاح رهف أول نجاح لهم في مواجهة نفوذ المملكة، كما قالت نادية "رهف، حسب معلوماتي، هي أول سعودية تنجح في الهروب والوصول لدولة لجوء بعد كشف أمرها في دولة الترانزيت."وأضافت "رهف أحدثت ضجيجاً أسمع صوتنا للعالم."

 أكدت فريدة "تعرّضنا لمواقف مماثلة في السابق، بنات سعوديات يُكشف أمرهن في الطريق، وصعّدنا الموضوع وقتها لكننا فشلنا." وصفت فريدة نجاح رهف بالاستثنائي وتعتبره انجازا ليس فقط للاجئين السعوديين ولكن لكل المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات.

قالت نادية "أصبح معروفا الآن لماذا تطلب السعوديات اللجوء وما هي القيود الموجودة عليهن بسبب قانون الولاية" وأضافت "الموضوع الآن لا يحتاج إلى شرح، يكفي أن أقول أنني سعودية، كل هذا حدث بعد قصة رهف."

التقت فريدة ونادية لأول مرة مؤخرا بعد أكثر من عام من تواصلهما على الأنترنت. حضرنا هذا اللقاء الأول وسألناهما عن السبب وراء تلك الحالات المتزايدة لهروب النساء السعوديات من المملكة. تحفظت فريدة على مصطلح الهروب وقالت إنها تفضل مصطلح النجاة.

وقالت نادية إن الأنترنت لعب دورا رئيسيا "النساء الآن في السعودية يرين العالم من حولهن، ويتابعن كيف تعيش النساء في باقي دول العالم، وهو ما يخلق شعورا متزايدا بعدم الرضا."

ضحكت الفتاتان عندما سألناهما عن الاجراءات السعودية لوقف تلك الموجة المتزايدة، وقالت فريدة "كان على السعودية ألا تسمح بدخول الأنترنت إلى المملكة."

*ليست اسماءهن الحقيقية




 

شارك
نشر في: 4/03/2019 3:05pm
آخر تحديث: 12/08/2022 3:14pm
By Fares Hassan, Abdallah Kamal