كلنا الآن نعرف الأعراض الشائعة والمرتبطة بالإصابة بكوفيد-١٩: الحمى والسعال الجاف والإرهاق. بعض الناس يعانون من آلام في العضلات واحتقان في الحلق وفقدان حاسة الشم والتذوق.
تتراوح حدة الأعراض بين المرضى المختلفين، حيث يصاب البعض بأعراض طفيفة في الغاية، ويصبح من المتوقع أن يتعافوا خلال أسابيع، ولكن هناك أدلة متزايدة على أن هذا ليس صحيحا، كوفيد-١٩ يمكن أن يترك أثرا يبقى لفترة طويلة على المصابين به، حتى هؤلاء الذين لا تظهر عليهم أعراض حادة.
ليست مجرد عدوى في الرئة
على السطح، يبدو كوفيد-١٩ مرض رئوي، فالفيروس المعروف علميا باسم SARS-CoV-2 يصيب الخلايا الخاصة بالمسالك الرئوية ويمكن أن يسبب التهاب رئوي يهدد الحياة.
ولكن أعراض المرض الكاملة لا تقتصر على الرئة فقط. فالباحثون قاموا بتطوير تطبيق إلكتروني في كينغز كولدج بلندن لتسجيل تطورات الأعراض اليومية، وتتبعوا أكثر من أربعة ملايين مريض بكوفيد-١٩ في المملكة المتحدة والسويد والولايات المتحدة.
وجدت الدراسة أنه بجانب الحمى والسعال وفقدان الشم، هناك أعراض أخرى تشمل الإرهاق والحساسية الجلدية والصداع وألم البطن والإسهال. وبالنسبة للحالات الأكثر خطورة، يتم تسجيل أعراض أخرى مثل الارتباك والآلام المبرحة في العضلات والسعال وضيق التنفس.
الفيروس يعطل جهاز المناعة
يبدو أن المرضى الذين يعانون من أعراض شديدة لكوفيد-١٩ يظهرون تغيرا في طريقة عمل جهاز المناعة حتى في المراحل الأولى من الإصابة. وتم رصد عدد أقل من الخلايا المناعية في الأجسام المصابة، وهو ما يُفشِل فاعلية المناعة ويمنعها من التحكم بالفيروس ويؤدي إلى تورم شديد بسبب الاستجابة المناعية القاصرة فيما يعرف باسم عاصفة السيتوكين أو cytokine storm.
ويعد هذا التورم أحد أهم العوامل التي تجعل الإصابة بهذا الفيروس خطيرة لدى بعض المرضى. ولذلك فإن استخدام دواء تثبيط جهاز المناعة الذي يحمل اسم dexamethasone هو الحل الوحيد المعروف حاليا لعلاج الحالات الحرجة، حيث يمكنه أن يقلل من معدلات الوفاة بين الحالات التي تحتاج مساعدة في التنفس أو الموجودة في العناية المركزة.
الأعراض التي تم تسجيلها لدى الحالات الحرجة أكثر تعقيدا بكثير من الأعراض التي تظهر في حالة الالتهاب الرئوي التقليدية. أحد تلك الأعراض هي تورم المخ، وهو ما يتسبب في الارتباك ونقص القدرات الذهنية.
وتزيد فرصة الإصابة بالجلطة لدى نسبة تصل إلى ستة في المائة من أصحاب الحالات الحرجة.
الدراسات الباثولوجية وعمليات التشريح للمرضى الذين توفوا بعد الإصابة بكوفيد-١٩ تكشف عن العلامات المعروفة للوفاة جراء الالتهاب الرئوي أو متلازمة ضيق التنفس الحادة، يصاحبها تورم وندوب.
متلازمة ضيق التنفس تحدث عندما يعاني الجسد من تورم واسع ومفاجئ في الرئة يتسبب في ضيق التنفس وتحول الجلد إلى اللون الأزرق.

About five per cent of patients will need to be admitted to ICU with COVID-19. Source: AAP
ولكن المختلف عن تلك الأعراض المتوقعة، أن التشريح يكشف أيضا عن تورم في الأوعية الدموية الصغيرة، ليس فقط في الرئة، ولكن في عدد من الأعضاء الأخرى ما يؤدي إلى تجلطات في الدم وتضرر الكلى والقلب.
استمرار الأعراض لفترات طويلة
من المتوقع أن الحالات الحادة من الإصابة بكورونا قد تعاني من أعراض تستمر لفترات طويلة، ولكن يبدو أنه حتى الحالات الخفيفة من كوفيد-١٩ يصاحبها أعراض تستمر لفترات طويلة.
منصات التواصل الاجتماعي مليئة بقصص حول أشخاص تم شفاءهم ولكنهم ما زالوا يعانون من أعراض مستمرة. وتعج مجموعات الدعم على المنصات المختلفة بآلاف من البشر ما زالوا يعانون من الأعراض رغم مرور أكثر من 60 يوما على الإصابة.
أحد أشهر هؤلاء الأشخاص هو رجل يدعى بول جارنر، وهو متخصص في الأمراض المعدية في كلية ليفربول لطب المناطق الاستوائية في المملكة المتحدة. والتقط جارنر العدوى في نهاية مارس آذار الماضي لكن أعراضه لا تزال مستمرة حتى الآن.
وفي منشور نشره عبر أحد الدوريات الطبية المتخصصة في بريطانيا وصف الأعراض التي يعاني منها قائلا:
"ثقل في الرأس، وتقلب في البطن وطنين في الأذن وآلام خفيفة وضيق تنفس ودوار وآلام في مفاصل اليدين."
هذه الأعراض خفت عن السابق لكنها لم تختفي تماما، وهو الأمر الذي يصفه بأنه
"محبط للغاية، فهناك الكثير من الناس بدأوا في الشك بأنفسهم. وبدأ شركاء حياتهم يتساءلون إن كان هناك مشكلة نفسية تسبب استمرار ظهور تلك الأعراض."
وحتى الآن لم يتم نشر إلا دراسة واحدة محكمة في مجلة علمية تتناول استمرار أعراض العدوى بكوفيد-١٩. وتناولت الدراسة مجموعة من الرجال من روما الإيطالية أتموا شفائهم من العدوى. أغلبهم لا يحتاج إلى دخول المستشفى وكلهم تم مناظرتهم بعد 60 يوما على الأقل بعد تأكيد إصابتهم بالعدوى.
وقال 44.1 في المائة منهم أنهم عانوا من انخفاض في جودة حياتهم بسبب استمرار الأعراض ومنها الإرهاق لدى 53.1 في المائة، وضيق التنفس لدى 43.4 في المائة، وآلام المفاصل لدى 27.3 وآلام الصدر لدى 21.7 في المائة.
ورغم أننا ما زلنا في بداية طريق فهم طبيعة كوفيد-١٩ إلا أن وجود أعراض طويلة الأمد لدى المرضى بعد تعافيهم من عدوى فيروسية حادة ليس بالظاهرة الجديدة. الأنفلونزا مثلا لطالما تم ربطها بأعراض طويلة الأمد مثل الإرهاق ولام العضلات، خاصة في الفترة التي أعقبت وبائي 1890 والأنفلونزا الإسبانية.
كما أنه من المعروف أن الذين يعانون من الالتهاب الرئوي الفيروسي الحاد، خاصة من يدخل العناية المركزة، تظل هناك بعض المضاعفات التي تصاحبهم بعد التعافي. بعد هؤلاء يتعرض للإرهاق وضيق التنفس بسبب حدوث أضرار بالرئة أو لمضاعفات أخرى.
ويعاني الناجون من الاكتئاب بنسبة 26 إلى 33 في المائة، والقلق بنسبة 38 إلى 44 في المائة، وكرب ما بعد الصدمة بنسبة 22 إلى 24 في المائة.
الأعراض طويلة المدى تحدث نتيجة فيروسات أخرى من فصيلة كورونا
ربما كان يجب أن تعدنا خبراتنا السابقة مع فيروسات فصيلة كورونا لما نواجهه الآن. فكلا من فيروس السارس وملازمة الشرق الأوسط التنفسية "الميرس" تسببوا في أمراض أكثر حدة لدى عدد أكبر من المصابين بشكل يتجاوز كوفيد-١٩.
وتسبب الفيروس بإصابة أعداد كبيرة من حامليه بالالتهاب الرئوي الحاد الذي يحتاج إلى عناية مركزة.
وتتبع باحثون كنديون الناجون من تفشي وباء السارس في تورنتو، ووجدوا أنهم ما زالوا يعانون من أعرض مثل اضطرابات النوم والإرهاق المزمن والاكتئاب وآلام العضلات.
واضطر ثلث الناجون إلى تغيير نمط حياتهم وعملهم، بينما لم يسجل إلا 14 في المائة فقط أنهم لم يصابوا بأعراض طويلة الأمد.
وفي نفس السياق، تم إجراء تجربة على مجموعة كورية من الناجين من الميرس، وقال 48 في المائة منهم أنهم ما زالوا يعانون من الإرهاق المزمن بعد 12 شهرا من إصابتهم.
وباء كوفيد-١٩ ما زال في بدايته ولكن ظاهرة الذين تم شفائهم وما زالت لديهم أعراض ليس فريدة، ويجب الاستماع لأعراضهم ومخاوفهم، وإجراء دراسات لفهمها.
وتسعى عدد من التجارب السريرية في بريطانيا وأوروبا والولايات المتحدة إلى فعل ذلك مع مجموعات من الناجين. وكما هو الحال في الكثير من الأمور المتعلقة بكوفيد-١٩ فنحن ما زال أمامنا الكثير من العمل لنتمكن من الوصول إلى إجابات.
*بيتر وارك هو أستاذ مساعد في كلية الطب والصحة العامة في جامعة نيوكاسل
*هذا المقال مدعوم من معهد جوديث نيلسون للصحافة والأفكار