"أشبه بالجحيم": عاملة أجنبية تصف تجربة العمل في لبنان تحت نظام الكفالة

An Ethiopian domestic worker, center, cries as wait in front of the Ethiopian consulate

An Ethiopian domestic worker, center, cries as wait in front of the Ethiopian consulate after she and others were abandoned by their Lebanese employers Source: AP Photo/Hassan Ammar

مشاهد عشرات العاملات الأجنبيات أمام القنصلية الأثيوبية في بيروت صدمت العالم.


أزمة لبنان الاقتصادية... تابع!

الدولار في صعود متواصل ولا أمل بمساعدات لا من الغرب ولا من الشرق.

الطوابير الطويلة أمام الأفران ذكرتنا بأيام الحرب.

صور البرادات الفارغة في منازل اللبنانيين التي التقطها مصوّر وكالة الصحافة الفرنسية هزت الصحف العالمية حتى صحيفة الأستراليان كتبت عنها!

مشاهد بعض الناس يبحثون عما يأكلونه في حاويات القمامة موجعة ومؤلمة لكن هناك مشاهد أكثر ايلاماً على الطرقات في لبنان وأمام سفارات بعض الدول خصوصاً الأفريقية منها حيث تتجمع عشرات العاملات الأجنبيات من دون مأوى ولا طعام ولا حتى أمل بالعودة إلى وطن هربن منه أصلاً بحثاً عن ظروف أفضل.
فاللبنانيون ليسوا الضحية الوحيدة لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة إذ أن شح السيولة جعل شريحة واسعة من الذين استقدموا عمالا أجانب عاجزين عن دفع رواتبهم فتركوهم لمصيرهم على الطرقات وأمام أبواب السفارات.

وزاد من مأساة هؤلاء أزمة كورونا التي أقفلت الحدود ومنعت السفر فبات العمال الأجانب أسرى في وطن لم يعرف أن يحمي حتى أبناءه من الذل والعوز.
An Ethiopian domestic worker waits in front of the Ethiopian consulate after she and others were abandoned by their Lebanese employers
An Ethiopian domestic worker waits in front of the Ethiopian consulate after she and others were abandoned by their Lebanese employers Source: AP Photo/Hassan Ammar
ايفا أغباشي هي واحدة من العاملات المحظوظات اللواتي استطعن الهرب من هذا الواقع فقد عادت إلى غانا منذ نحو أسبوع بمساعدة إحدى المنظمات الحقوقية.

اضطرت ايفا أن تترك زوجها وابنها في بلدها الأم منذ نحو سنة ونصف وتتوجه إلى لبنان بحثاً عن لقمة العيش، بعد أن قيل لها أنها ستتمتع بكامل حقوقها هناك وأنه سيكون لديها يوم إجازة وستتمكن من أخذ استراحة غير أنها اكتشفت لدى وصولها أن الواقع معاكس تماماً لما كانت تنتظره: " كنت أستيقظ عند السادسة صباحاً وأستمر بالعمل المتواصل لـ15 ساعة يوميا. لم يكن لدي أي استراحة ولا أي يوم عطلة حتى أنني عندما شعرت بالمرض الشديد لم يسمح لي أصحاب العمل بزيارة المستشفى...لم يبدوا أي اهتمام بشأن صحتي أو سلامتي".
ليس هناك أي شيء جيد أو ايجابي تذكره ايفا عن تجربتها القاسية في لبنان لا بل تصف الحياة هناك بأنها أشبه بالجحيم: "لم أزر جهنم من قبل ولا أتمنى أن أكون فيها ولكن أستطيع أن أقول ان حياتي في لبنان أشعرتني أنني في جحيم".

بدأت ملامح الأزمة الاقتصادية في البلاد تظهر منذ نحو عام وتفاقمت بشكل سريع خلال الأشهر الأخيرة خصوصاً في ظل وباء كورونا وكان العمال الأجانب من أولى الضحايا وابرزهم ايفا التي اضطرت للعمل من دون تلقي أي راتب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة: "في البداية كانوا يدفعون لي في الوقت المناسب ولكن منذ هبوط الليرة مقابل الدولار توقفوا عن الدفع فأصبحت أعمل من دون مقابل".
Dozens of Ethiopian domestic workers gather outside the Ethiopian consulate
Dozens of Ethiopian domestic workers gather outside the Ethiopian consulate Source: AP
في ظل هذا الوضع ومع تأزم حالتها الصحية اتصل زوج ايفا الموجود في غانا بمنظمة This is Lebanon وهي إحدى الجمعيات التي تعنى بشؤون العاملين الأجانب في لبنان. فقامت المنظمة بإقناع أصحاب العمل بنقلها إلى المستشفى. وبعد ذلك بفترة وجيزة ساعدوها على تنظيم أوراقها والعودة إلى غانا على متن أول طائرة متاحة حينها: "لولا هذه المنظمة لا أدري ما كان سيحل بي".

غير أن خبرة ايفا ليست فريدة من نوعها لا بل هي واحدة من مئات القصص الموجعة لا بل أن البعض منها أكثر ايلاماً بحسب مديرة حركة مناهضة العنصرية في لبنان فرح سالكا: "ما يحصل في لبنان اليوم كارثة على جميع الأصعدة هناك عشرات الآلاف من العمال من بلدان آسيوية وأفريقية عالقون في لبنان ويريدون العودة إلى بلادهن، وذلك بعد أن قام أصحاب العمل بالتخلي عن مئات العاملات أو ضغطوا عليهن ليهربن من دون إعطائهن راوتبهن أو حتى جوازات سفرهن".

وتصف سالكا المشهد على أبواب القنصلية الأثيوية وغيرها من السفارات بالمعيب والمبكي: " هناك أشخاص مرميون هناك من دون شفقة، هؤلاء اهتموا بنا وبعائلاتنا وأولادنا وبيوتنا لسنوات وعندما ضاقت بنا الحال قررنا أن نتركهم بالشارع!"
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن وضع العمال الأجانب في لبنان لم يكن أصلاً في أفضل حال حتى قبل كورونا وقبل الأزمة الاقتصادية اما السبب الأساسي وراء ذلك فهو بحسب سالكا نظام الكفالة الذي يؤدي إلى استعباد العمال والعاملات من قبل أصحاب العمل: "أزمة العمالة الأجنبية في لبنان ليست وليدة الكورونا ولا وليدة الأزمة المالية. المشكلة الرئيسية هي بنظام الكفالة المعيب والذي أقل ما يقال عنه أنه نظام استعباد فهو لا يحدد الحد الأدنى لأجور العمال الأجانب كما يسمح لأصحاب العمل باستغلالهم والتحجج بالأزمة الاقتصادية لعدم دفع رواتبهم".
Lebanese anti-government protestors, Ethiopian domestic workers, and a group of Feminists take part in a demonstration
Lebanese anti-government protestors, Ethiopian domestic workers, and a group of Feminists take part in a demonstration Source: EPA/NABIL MOUNZER
وتحمّل مديرة حركة مناهضة العنصرية في لبنان مسؤولية الوضع المأساوي لجهتين أساسيتين هما وزارة العمل بالدرجة الأولى وسفارات الدول الأم للعمال الأجانب: "السفارات والقنصليات تتقاعص في عملها ولا تعمل على حماية مواطنيها أما وزارة العمل فقد وعدت بالقيام بالتحقيقات وملاحقة أصحاب العمل الذين يقومون بالانتهاكات لكن أيا من هذه الوعود لم يتحقق حتى اليوم".

وانتشرت صور ومقاطع فيديو لعشرات من العاملات الأثيوبات اللواتي يشكلن قسمأ كبيراً من العاملات الأجنبيات في لبنان يفترشن الطريق أما القنصلية في بيروت دون مأوى أو طعام كما تكرر المشهد أمام سفارات دول أخرى خصوصاً الدول الأفريقية والآسيوية.

وفي الختام تعترف فرح سالكا أن هناك مشكلة عنصرية متجذرة في المجتمع ويجب مواجهتها بشكل جدي كما تدعو إلى الغاء نظم الكفالة من أساسه واستبداله بنظام هجرة عادل يحمي العمال الأجانب ويضمن حقوقهم.


شارك