"أحضرنا الصاج بين أغراضنا من لبنان": ما هو سر تعلق المهاجرين اللبنانيين بخبز الصاج؟

في ساعات الصباح الأولى، تتجهز مجموعة من السيدات اللبنانيات في كاتدرائية سيدة لبنان في هاريس بارك غرب سيدني نهاية كل شهر لإعداد خبز الصاج الذي تعلموا فن تحضيره وإعداده من أمهاتهن في وطنهم الأم لبنان، وما زلن يحرصن على بقائه موروثاً حياً في أستراليا.

IMG-20221031-WA0017.jpg

Lebanese ladies baking the Saj bread Source: Supplied

النقاط الرئيسية:
  • تجتمع سيدات لبنانيات نهاية كل شهر في كاتدرائية سيدة لبنان لصناعة خبز الصاج وإبقاء هذا التراث حياً.
  • أحضرت إحداهن الصاج معها بين أغراضها من لبنان.
  • خبز الصاج معروف في معظم البلاد العربية ولكن بتسميات مختلفة.
عندما نذكر خبز الصاج أول ما يتبادر إلينا هو رائحته الزكية ولونه الأشقر، ويعود بنا إلى أرض الوطن والقرية ورائحة الحطب والجدة التي كانت تستيقظ في ساعات الفجر الأولى لتبدأ عملية الخبز من العجن إلى رق العجين وهلِّه أو تلويحه ثم وضعه على "الكارة" لينتهي به الأمر على الصاج رغيفاً محمراً ولا ألذ. ولا ننسى عندما كنا نجتمع حولها أطفالاً بانتظار فطيرة السكر التي كان طعمها أزكى من أشهى أنواع الحلويات.
IMG-20221031-WA0013.jpg
Source: Supplied
من لبنان إلى سيدني، ما زال رغيف الصاج تاريخاً حياً تواظب مجموعة من السيدات من مختلف القرى اللبنانية على المحافظة عليه، فيجتمعن كل نهاية شهر في كاتدرائية سيدة لبنان ويعملن كخلية نحل واحدة ويتعاونّ على الخبز، ومن ثم يتم بيع هذا الخبز لأغراض خيرية وإنسانية، وفي نفس الوقت يقمن بالاحتفاظ بتراث وفن قيم جداً.

لقد حضر ميكروفون أس بي أس عربي 24 إحدى هذه الصباحات في كاتدرائية سيدة لبنان والتقى هذه السيدات اللواتي أكدن عشقهن لعمل خبز الصاج، هذا الموروث الذي علمته لهن أمهاتهن منذ نعومة أظافرهن، حيث قالت إحداهن أنها بدأت بتعلمه مع أمها عندما كانت طفلة بعمر السادسة.
IMG-20221031-WA0016.jpg
Source: Supplied
وأضافت سيدة أخرى، "كنا أطفالاً نستيقظ عند الساعة الرابعة صباحاً لنساعد أهلنا في عملية الخبز التي كانت تتحول مناسبة تجتمع فيها العائلة بأكملها لتتعاون وتتساعد فيما بينها".
وبالفعل كان الصاج من بين أهم الأغراض التي وضبتها إحدى هذه السيدات بين أغراضها، وحرصت على أن تحمله معها أثناء رحلة هجرتها من لبنان إلى أستراليا، وإن كان يدل هذا الأمر على شيء فهو يدل على قيمة هذه القطعة المعدنية ومدى التعلق بها ومدى قدسية رغيف الصاج بالنسبة للشعب اللبناني، فقد أبت أن تتركه خلفها فحملته معها كأي غرض ثمين آخر لم تتمكن أن تدير ظهرها له.

وأكدت إحداهن أيضاً أن الخبز والعجين بركة من الرب لذا لا يمكن أن يبطل أو أن يتنازلن عنه.
IMG-20221031-WA0005.jpg
Source: Supplied
ورغم أن العمل قد يكون متعباً، إلا أن هذه السيدات يحولن هذا التعب إلى طاقة تتفجر صلوات وأناشيد يطلقنها بأصواتهن، مما ينسيهن تعب أيديهن المنهكة ويجعلهن يتشوقن للقاء العجين والصاج كل شهر.

ولا تكتف معظم هذه السيدات بالخبز في الكنيسة، بل لديهن صاج في بيوتهن حيث يخبزن للعائلة ويعملن على تعليم بناتهن هذا الموروث ليبقى حياً على امتداد الزمن.
IMG-20221031-WA0011.jpg
Source: Supplied
وبالفعل كان من بين السيدات، سيدة وابنتها التي ولدت في أستراليا والتي تعلمت فن خبز الصاج فأتقنته، وهو بالفعل فن حيث إن كل مرحلة من الخبز هي فن قائم بحد ذاته يتطلب مهارات عالية.
تعددت أسماء خبز الصاج إلا أن أصلها واحد، فقد عُرف بأسماء مختلفة كالكماج والشراك والمرقوق، ورغم اختلاف الأسماء إلا أن بداية انتشار هذا النوع من الخبز كانت خلال حقبة حكم الدولة العثمانية في البلاد الإسلامية، وكان يُعرف حينها باسمه التركي "صاج إيكمي" أي ورق الخبز نظراً لكونه رقيقاً كالورق.
IMG-20221031-WA0012.jpg
Saj bread Source: Supplied
كان يُخبز الطحين مع الماء، ثم يتم رقه وتلويحه على شكل دائري كبير قد يصل قطرها إلى متر، ثم توضع على قطعة معدنية دائرية تسمى الصاج والتي كان يتم إيقاد الحطب تحتها إلى حين نضوجه الذي يأخذ دقائق قليلة.
لا يقتصر تواجد خبز الصاج على لبنان بحسب، بل يمتد ليشمل بلاد عربية أخرى كسوريا التي اشتهر فيها منذ زمن طويل وفلسطين حيث يطلق عليه "الفرشوحة"، واليوم بات يقدم كوجبات سريعة يوضع عليه الزعتر أو الجبنة أو دبس الفليفلة.
IMG-20221031-WA0002.jpg
Source: Supplied
في العراق يسمى بخبز "الرقاق" وهو نوع شبيه لخبز الصاج ويجهز بنفس الطريقة. أما في الأردن، فهو يسمى "الشراك" ويستخدم في الأكلة الشعبية المنسف حيث يوضع تحت الأرز، وكذلك في أكلة الرشوف إذ ينقع باللبن وما زال بعض البدو في الأردن يخبزونه بشكل يومي.
كما ينتشر خبز الصاج في سيناء والنقب بكثرة وتتكون الفتة الأكلة البدوية الشهيرة بشكل رئيسي من خبز الصاج ومرق لحم الخروف مع إضافة القليل من اللبن.

نرى اليوم أن التطور التكنولوجي قد وصل أيضاً إلى رغيف الصاج حيث تم استبدال الخبز على الحطب بالغاز وتوافرت العجانات وآلات الرق الكهربائية التي لا شك أنها توفر الكثير من الجهد على السيدات، ولكن مهما كانت الطريقة التي يصنع فيها هذا الرغيف فهو يعبق برائحة الوطن وطعم الأصالة والتراث الذي لا يموت.

أكملوا الحوار عبر حساباتنا على و و

توجهوا الآن إلى للاطلاع على آخر الأخبار الأسترالية والمواضيع التي تهمكم.

يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر  أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على 

يمكنكم أيضًا مشاهدة أخبار في أي وقت على SBS On Demand.

شارك

نشر في:

آخر تحديث:

By Ruba Mansour
المصدر: SBS