تفرج اليوم دار المحفوظات الأسترالية عن مجموعة من الرسائل تخص واحدا من أكثر فصول التاريخ السياسي الأسترالي درامية، عندما قام الحاكم العام في أستراليا بإقالة حكومة رئيس الوزراء العمالي جوف ويتلام مستخدما سلطاته كممثل عن ملكة بريطانيا.
الحدث لم يحدث قبل أو بعد هذه الواقعة والتي ظلت جرحا غائرا في تاريخ الديموقراطية الأسترالية، وواقعة لا تزال غير مفهومة بالكامل حتى الآن.
حدث ذلك خلال عام 1975، وكان الحاكم العام وقتذاك هو السير جون كير. في أستراليا، منصب الحاكم العام شرفي، ورغم أنه يملك صلاحيات دستورية واسعة إلا أنه لا يستخدمها أبدا، ولكن تلك كانت الواقعة الوحيدة التي تحرك فيها الحاكم العام ممثلا عن قصر باكينغهام في بريطانيا، ليصرف حكومة منتخبة ويكلف زعيم المعارضة بتشكيل حكومة جديدة والدعوة لانتخابات عامة.
خلال تلك الفترة التي شهدت اضطرابات سياسية لم تتكرر، كان السير جون كير على تواصل دائم مع الملكة إليزابيث الثانية، حيث كان هناك 116 خطابا من كير إلى الملكة، مروا جميعا عبر سكرتيرها الخاص آنذاك السير مارتين شارتيرز.

پرچم آسترالیا بر فراز تندیس ملکه الیزابت دوم در ساختمان پارلمان فدرال آسترالیا Source: AAP
هذه الخطابات كانت محملة بالمرفقات بما في ذلك التقارير الصحفية الساخنة في تلك الفترة، وخطابات آخرين إلى كير ورسائل التليغرام ومقالات أخرى. وهناك 95 خطابا من الملكة إلى كير عبر سكرتيرها الخاص أيضا.
هذه الخطابات التي يبلغ عددها 211 تمثل كل الخطابات التي تم إرسالها خلال فترة تولي جون كير لمنصب الحاكم العام، لكن وتيرتها ازدادت بشكل كبير بداية من أغسطس آب 1975، أي قبل وقت قصير من إقالة حكومة ويتلام في نوفمبر تشرين الثاني من العام نفسه.
وتعد تلك الخطابات المعروفة باسم خطابات القصر، أهم مستندات رسمية تاريخية تتعلق بإقالة حكومة ويتلام، لكنها كانت سرية ومحظورالاطلاع عليها، حتى نجحت أستاذة التاريخ جيني هوكينغ مؤخرا في الحصول على حكم من المحكمة العليا بجعل تلك الخطابات متاحة للعامة.

Professor Jenny Hocking speaks to media during a doorstop at the Kensington Town Hall in Melbourne, Friday, May 29, 2020. Source: AAP
لماذا يعد إتاحة تلك الخطابات أمرا هاما؟
هذا القرار الذي جاء بعد معارك قضائية استمرت أربع سنوات، ينهي ممارسة عمرها عقودا تتعلق بالتعامل مع الأرشيف الملكي، حيث يمكن للقصر أن يمنع الاطلاع العام على أي وثائق تخصه باعتبارها "مراسلات شخصية". كما يعد قرار المحكمة تحديا نادرا "للسرية الملكية" التي ما زالت تتمتع بها العائلة الملكية البريطانية في أستراليا ودول أخرى.
ويمكن لهذا القرار أن يمثل قاعدة لدول أخرى من الكومنولث وفي بريطانيا أيضا، حيث لا تزال الوثائق الملكية غير متاحة لاطلاع الجمهور إلا بأمر من الملك أو الملكة. كما وضع قرار المحكمة الأرشيف الأسترالي تحت مظلة القانون الأسترالي، بدلا من الحظر الذي كان مفروضا على السجلات الوطنية الأسترالية بأمر من الملكة.
لكن تلك الوثائق ستكشف أيضا عن حقائق جديدة تتعلق بإقالة ويتلام وحكومته، وهي مرحلة في التاريخ الأسترالي، ما زالت تسبب الكثير من الاستقطاب السياسي. السردية النهائية لما وقع خلال تلك الفترة العصيبة ما زالت غير متفق عليها بين الأطراف السياسية الأسترالية، ويمكن لتلك الخطابات أن تحسم هذا الجدال الممتد منذ 45 عاما.
ما الذي يمكن أن تكشفه الخطابات؟
أصبحت خطابات القصر موضوعا مثيرا للاهتمام بعدما تم الكشف عن يوميات السير جون كير والتي أشار فيها مرارا وبكثير من الأهمية لتلك الخطابات. ففي إحدى الأوراق عام 1980، تحدث كير عن عدد من الخطابات والمحادثات المهمة مع الأمير تشارلز قبل إقالة حكومة ويتلام، عبر فيها كير عن خوفه من قيام القصر بتحدي قراره لو قرر المضي قدما وإقالة الحكومة المنتخبة.
كما استمر كير في الإشارة لتلك الخطابات خلال مجموعة مراسلات له مع أصدقاء وزملاء عمل، ولكن الورقة الأكثر أهمية والتي نعلم بوجودها بين الخطابات، هي ورقة مكتوبة بخط اليد تحمل عنوان "نقاط بخصوص قرار الإقالة" وفيها كتب كير نصائح سكرتير الملكة إليه بخصوص الإقالة.
هذه الورقة قد تحسم الجدل حول مدى ضلوع القصر في قرار الإقالة وربما مدى ضلوع الإدارة الأمريكية التي لم تكن على وفاق مع ويتلام وميوله الاشتراكية خلال فترة حاسمة من الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
كما كتب كير إن محادثاته مع ويتلام "كان يتم نقلها بالتفصيل إلى الملكة بمجرد حدوثها" ولمدة شهور عدة قبل عملية الإقالة. هذا الوضع غير الاعتيادي أثار حفيظة الكثير من الأستراليين والذين يعتبرون دور الملكة في أستراليا دورا شرفيا ولا يتضمن التدخل في كيفية إدارة شؤون البلاد بأي شكل من الأشكال.
وكما قال المؤرخ الأسترالي جون وارهارست "التاج البريطاني كان يتدخل في النزاع خلال عام 1975 بشكل يمثل إهانة لأي شخص يرغب في أن تكون أستراليا أمة مستقلة تماما، القصر لم يكن فوق الخلاف، كير استشار القصر وحصل على نصيحة سكرتير الملكة الذي كان يمثلها.