أعلنت الحكومة اللبنانية الخميس أنها ستطلب مساعدة صندوق النقد الدولي من أجل وضع حد للانهيار الاقتصادي المتسارع، بعدما أقرت بالإجماع خطة إنقاذ إصلاحية قالت إنها ستشكل "خريطة طريق" لإعادة إطلاق العجلة الاقتصادية وسط غضب الشارع.
وتأمل الحكومة من خلال خطتها إقناع المجتمع الدولي بمساعدة لبنان والحصول على أكثر من 20 مليار دولار للخروج من دوامة انهيار مالي فاقمته تدابير وقاية مشددة لمواجهة وباء كوفيد-19.
وجاء إقرار الخطة بعد ثلاثة أيام متتالية نزل خلالها مئات المتظاهرين إلى الشوارع وحصول مواجهات مع الجيش احتجاجاً على غلاء المعيشة وفقدانهم مصادر رزقهم وغياب أفق حل للأزمة الاقتصادية.
وقال رئيس الحكومة حسان دياب في كلمة وجهها الى اللبنانيين عصر الخميس "سنمضي في طلب برنامج مع صندوق النقد الدولي"، واصفاً خطة حكومته بأنها "خريطة طريق واضحة لإدارة المالية العامة" بينما تشهد البلاد أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود ويرزح 45 في المئة من السكان تحت خط الفقر.
وسبق للبنان أن طلب مساعدة تقنية من الصندوق خلال عمله على إنجاز الخطة، التي أكّد دياب أنها "تنطلق من ضرورة البدء فوراً بتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها، على مستوى إدارة الدولة، والسياسة المالية، والقطاع المالي، والمصرف المركزي، والحساب الجاري، وميزان المدفوعات".

Lebanese protesters took to the streets to protest deteriorated living conditions and spiraling food prices amid the crash in currency. Source: Getty Images
وأشار إلى أن حكومته "حدّدت أهدافاً على مدى خمس سنوات" تتضمن "انحسار العجز في الحساب الجاري إلى 5,6 في المئة"، و"الحصول على دعم مالي خارجي يفوق 10 مليار دولار بالإضافة إلى أموال مؤتمر سيدر"، في إشارة الى 11 مليار دولار على شكل هبات وقروض تعهّد المجتمع الدولي بتقديمها العام 2018 إلى لبنان مقابل اجراء اصلاحات بنيوية وخفض النفقات العامة.
والأزمة الاقتصادية الحالية تُعد الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، وهي وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية. ويقدّر مسؤولون حكوميون حاجة لبنان اليوم إلى أكثر من 80 مليار دولار للخروج من الأزمة والنهوض بالاقتصاد.
وتهدف الخطة، وفق دياب، إلى "تقليص نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى ما دون 100 بالمئة"، بعدما تجاوز أكثر من 170 في المئة وجعل لبنان، البلد الصغير المنهك بسنوات من الأزمات السياسية المتتالية وعقود من الفساد، من بين الدول الأكثر مديونية.
ومنذ آذار/مارس، توقّفت الحكومة عن سداد الديون الخارجية في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين هدفها حماية احتياطات البلاد من العملة الأجنبية التي تراجعت خلال الأشهر الماضية بشكل كبير.
وقال دياب إن حكومته ستمضي أيضاً في "إضفاء الطابع الرسمي على مفاوضاتنا مع الدائنين لسندات اليوروبوند والمضي قدماً فيها"، بعدما تعاقدت مع شركة "لازار" للاستشارات المالية من اجل تولي عملية التفاوض مع الدائنين.
وتهدف الخطة أيضاً، وفق دياب، إلى "إعادة هيكلة القطاعين المصرفي والمالي"، والقيام بإصلاحات أساسية مثل قطاع الكهرباء، الذي يعد الثغرة المالية الاكبر.
وفي أول رد فعل دولي على الخطة، غرّد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش "لقد خطت الحكومة خطوة مهمة نحو الإصلاحات ومعالجة الأزمة المصيرية الراهنة عبر إقرار خطتها الإصلاحية".
وأضاف "الآن على القوى السياسية والمجتمع المدني إبداء رأيهم بالخطة، مما يمهد الطريق للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وسائر الشركاء الدوليين".
وبدأت معالم الانهيار الاقتصادي بالظهور صيف العام 2019، مع بروز سوق موازية لسعر صرف الليرة وشح الدولار، ما دفع بمئات الآلاف إلى النزول إلى الشارع لأشهر عدة رافعين الصوت ضد الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحملونها مسؤولية أزمتهم المعيشية. وأطاحت التظاهرات بالحكومة السابقة.
وهدأت التحركات نسبياً مع تشكيل حكومة دياب بداية العام الحالي لتقتصر على تحركات رمزيّة أطاحت بها إجراءات الوقاية من فيروس كورونا المستجد الذي تسبب بـ725 إصابة بينها 24 وفاة حتى الآن.
وفاقمت تدابير الاغلاق العام في الوقت ذاته معاناة المواطنين بعدما كان عشرات الآلاف من اللبنانيين خسروا مورد رزقهم أو جزءاً من رواتبهم خلال الأشهر الستة الماضية.
ومع تفاقم الشلل الاقتصادي، طفح كيل جزء كبير من اللبنانيين بسبب تراجع قدرتهم الشرائية بعدما سجلت الليرة اللبنانية بداية الأسبوع الحالي انخفاضاً قياسياً جديداً في السوق السوداء لتتخطى عتبة أربعة آلاف مقابل الدولار، تزامناً مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 55 في المئة، بحسب تقديرات رسمية.
ويقول علاء خضر (34 عاماً)، وهو موظف في منظمة غير حكومية وينتظر مولودا جديدا "بات راتبي بالكاد يكفيني مع عائلتي الصغيرة حتى آخر الشهر (...) وعلى غرار الآلاف في لبنان، أشعر في كل لحظة أنني مهدد بخسارة عملي".
ولا يعلّق الشاب المقيم في طرابلس آمالاً على خطة الحكومة لأن "العبرة في تنفيذها"، مذكراً بأن الحكومات السابقة "وضعت خططاً كثيرة، لكن الوضع زاد تدهوراً وافلاساً حتى بلغنا مرحلة باتت الحلول فيها شبه معدومة".
وعاد مئات الشبان إلى الشارع منذ الإثنين، واشتبك العشرات منهم مع الجيش في مدينة طرابلس، في مواجهات تكررت لثلاث ليال متتالية رشق خلاها المحتجون القوى الأمنية بالحجارة وقنابل المولوتوف اليدوية. وردّ الجيش باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.
وأسفرت المواجهات منذ الإثنين عن مقتل شاب وإصابة عشرات المتظاهرين والعسكريين بجروح.
في مدينة صيدا (جنوب) كما في طرابلس وبيروت وبلدات أخرى، يصبّ المتظاهرون غضبهم على المصارف نتيجة الإجراءات المشددة التي تفرضها على سحب الودائع. وعمد بعض المحتجين إلى تكسير واجهات مصارف عدة أو إلقاء قنابل مولوتوف عليها.