لم يخطر ببال الصحفي في بي بي سي أحمد زكي أن تطول فترة إقامته في سيدني فمدة الرحلة المقررة لم تكن تتجاوز أسبوعين عندما حط الرحال هنا الشهر الماضي، ولكن الأحداث تسارعت وأغلقت أستراليا حدودها لوضع حد لتفشي فيروس كورونا وعلى اثر ذلك تم إلغاء رحلته المقررة من سيدني إلى دبي في 27 مارس آذار حيث كان ينوي أن يستقل الطائرة من هناك عائداً إلى لندن.
"أشعر أن الأرض توقفت عن الدوران" هكذا يصف أحمد شعوره، فلطالما شكّل السفر الدولي محوراً أساسياً في حياته سواء لأغراض العمل أو للقاء أفراد العائلة والأصدقاء الموزعين في مختلف أرجاء المعمورة. كان يسافر بمعدل مرة في الشهر ولم يبدِ انزعاجاً من التوجه إلى المطار أو المكوث لساعات طوال في الطائرة ليصل إلى وجهته.
أحمد من بين ملايين المسافرين العالقين حول العالم ممن باتوا غير قادرين على التنقل بحرية بسبب الإغلاقات الصارمة التي فرضتها الدول على حدودها، مما ألقى بثقله على قطاع السفر فحتى الآن وحسب تقديرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي ناهزت الخسائر 314 مليار دولار.
هذه الخسائر لا تمثل سوى قمة جبل الجليد فالتوقعات الاقتصادية لقطاع الطيران هذا العام تبدو قاتمة، فمن المتوقع أن تنخفض أعداد المسافرين في الربع الثاني من 2020 بمقدار 82%. وفي حال تم تخفيف قيود السفر فإن انخفاضاً بمقدار 56% سيطال أرقام المسافرين في الربع الثالث وصولاً إلى انخفاض بمقدار 33% في الربع الأخير من العام وفق سيناريو تخفيف القيود.

A deserted Terminal 2 (Domestic) at Perth Airport Source: AAP
وللإضاءة على هذه النقطة، ضرب أحمد مثالاً شركة طيران الامارات والتي تعد من أفضل خطوط الطيران في العالم حيث تمكنت من تحقيق ايراداتها تشغيلية قياسية بلغت 127 مليار دولار في العام المالي 2018-2019 ولكن الربح من هذا العائد الضخم لم يتجاوز 0.9%. تجدرالإشارة إلى أن الشركة علقت رحلاتها منذ الخامس والعشرين من مارس آذار الماضي.
كيف سنسافر بعد انتهاء الأزمة؟
بدأت شركات الطيران في الولايات المتحدة وأوروبا التحضير لمرحلة ما بعد قيود كورونا وبما أن العالم لم يتوصل بعد إلى لقاح يضع حداً فعلياً للأزمة، يجري الحديث حالياً عن إجراءات التباعد الاجتماعي داخل الطائرات لتعزيز شعور المسافر بالأمان.
وشرح أحمد الطريقة المتوقعة لتحقيق ذلك: " إذا كانت الطائرة صغيرة مثل ايرباص من طراز 320 او 319 أو بوينغ 737 (ثلاثة كراسي متجاورة في كل جهة) سيعني إبقاء الكرسي في المنتصف فارغاً خسارة ثلث الركاب. في اقتصاد الطيران، من المعروف أن آخر تذاكر مباعة هي التي تحقق الربح للرحلة بأكملها."
ولكن هل سيستأنف الناس نشاطهم في السفر بنفس الوتيرة السابقة تقول التكهنات أن أعداد المسافرين سترتفع بشكل كبير بمجرد رفع القيود وعلى نحو يشبه ما كان عليه الوضع قبل فيروس كرونا. ولكن أحمد أشار إلى احتمالية حدوث انتكاسة قد تكبد قطاع الطيران خسائر على المدى الطويل: " اذا عاودت إصابات كورونا الظهور، سينخفض عدد المسافرين بشكل كبير بسبب الخوف من التقاط العدوى مما قد يدخل قطاع الطيران في شتاء طويل."
إذاً فالتغيير قادم لا محالة، وما اعتاده البشر خلال العقدين الأخيرين من حركة سريعة للسلع والركاب بين دول العالم ستصبح أكثر تباطؤاً بسبب الارتفاع المتوقع في أسعار تذاكر الطيران نتيجة انهيار شركات طيران بسبب أزمة كورونا مما سيفقد السوق ميزة التنافسية. أسعار النفط المنخفضة حالياً ستلعب في صالح عمالقة الطيران ولذا قد تسعى في البداية إلى تقديم العروض للمسافرين لإنعاش الحركة مجدداً وتحريك طائراتها المتوقفة في المطارات وبفاتورة تخزين باهظة.
وبالطبع سينسحب تباطؤ الطيران على قطاعات السياحة والفنادق والمطاعم، ويرى أحمد أن السيناريو الأكثر ترجيحاً ما بعد كورونا هو أشبه بما كان الوضع عليه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عندما كان السفر "رفاهية" غير متاحة للجميع.
استمعوا إلى المقابلة مع الصحفي أحمد زكي في التدوين الصوتي المرفق بالصورة.