هو جمال عبد الناصر الذي توفي فجأة في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 تاركا إرثا ضخما لم يقتصر على حدود مصر وحدها. خمسون عاما مرت على رحيله ولا يزال بشخصيته وقراراته وسياساته من أكثر الشخصيات إثارة للجدل حتى يومنا هذا.
جسد جمال عبد الناصر آمال العرب بوطن واحد من المحيط إلى الخليج، وألهب حماسهم لمفاهيم جديدة كالاشتراكية والعروبة والوحدة ودعا إلى رفض "العبودية والاستعباد".
النقاط الرئيسية
- كيف يتذكر المصريون والعرب جمال عبد الناصر
- سياسات لا تزال محط سجال وجدل
- نجاحات أم إخفاقات؟
لماذا يتذكر المصريون عبد الناصر بعد خمسين عاما على غيابه؟
بعد نصف قرن من الغياب، لماذا يبقى جمال عبد الناصر في ذاكرة المصريين وكثيرين من العرب؟
يقول المفكر والكاتب المصري الأستاذ عبد الله السناوي "عندما نتحدث عن خمسين عاما عن الغياب نستطيع أن نقول بكل ثقة خمسون عاما من الحضور. لم يغب جمال عبد الناصر طوال نصف القرن المصري ونصف القرن العربي عن السجال السياسي الساخن، كأنه لم يغب، وكأنه لم يحكم مصر أحد غيره".
الدور الداخلي: من الملكية الإقطاعية إلى الاشتراكية
وقّع عبد الناصر اتفاقية جلاء القوات البريطانية عن مصر في 19 أكتوبر 1954 وأصدر خلال حياته السياسية العديد من القرارات الهامة مما أكسبه شعبية كبيرة، كما يقول البروفسور أحمد شبول.
وضع جمال عبد الناصر أسسا جديدة لمصر فطبق قانون الإصلاح الزراعي، وعزز الزراعة والصناعة، وقام بتأميم قناة السويس وبنى السد العالي.
وما زال المصريون يتذكرون هذه الإنجازات حتى يومنا هذا: منهم من يرى فيها إنجازات وطنية أرست الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس والاستقلال الحقيقي، ومنهم من يرى أنه شابها التفرد بالرأي وسوء التخطيط، وإسكات الأصوات المعارضة لها.
ولا تزال سياسة توزيع الأراضي على الفلاحين محط جدل لغاية الآن..
يقول معارضو عبد الناصر أنه كان حاقدا على الأغنياء، وأنه انتزع الأرض من أصحابها الحقيقيين ووزعها بغير حق على الفلاحين. طرحٌ يرى فيه مفكرون مصريون مغالطة تاريخية.
يقول المفكر المصري أحمد الجمال: "هذه مغالطة تاريخية كبرى، أصحاب الأرض الحقيقين هم الذين يفلحونها ويزرعونها حفاة عراة، الأرض لمن يفلحها وليس لمن يسرقها بحكم أنه من الشركس أو النبلاء أو من غير المصريين".
وضع عبد الناصر سياسات التعليم المجاني ومحو الأمية، وأعطى أهميةً لدور المرأة في المجتمع فتمكنت من دخول نواحٍ عديدة كانت حكرا على الرجال.

Cuba's Fidel Castro, left, and Gamal Abdel Nasser, President of United Arab Republic, September 28, 1960 at the New York headquarters of the UAR. Source: AP
في عام 1956 منح الدستور المصري المرأة حقوقها السياسية كاملة وتضمن ولأول مرة حق المرأة في الانتخاب والترشُّح، وطبق عليها مبدأ تكافؤ الفرص.
وتقول الصحافية والكاتبة المصرية نور الهدى زكي إن "ما تقوم به المرأة المصرية اليوم، ما هو إلا نتيجة طبيعية وتراكمية للحقوق والفرص التي أرساها عبد الناصر.
نظرة على الحروب التي خاضها عبد الناصر
خاضت مصر في عهد عبد الناصر حربين هما ما عُرف بالعدوان الثلاثي عام 56 الذي شنته فرنسا وبريطانيا وإسرائيل على مصر بعد إعلان عبد الناصر تأميم قناة السويس، وحرب 67 التي انتهت بانكسار وتراجع الجيش المصري أمام القوات الإسرائيلية.
هزيمة شكلت منعطفا حاسما في تاريخ ناصر ودفعته للتنحي
الكثيرون اعتبروا أن نتيجة تلك الحرب كانت بداية النهاية لعبد الناصر.
لكن البعض الآخر رأى أن ها كانت نتيجة تقاعس وتقصير داخلي وتآمر خارجي، وأن العبرة في تعلم الدروس والنهوض مجددا.
وبعد ذلك حاول عبد الناصر إعادة بناء الداخل المصري استعدادا للجولة العسكرية المقبلة.
أعداء وأصدقاء عبد الناصر
يأخذ الكثيرون على عبد الناصر أيضا قسوته على الأحزاب والتيارات المعارضة. وليس خافيا خلافُه مع جماعة الإخوان المسلمين، والشيوعيين وغيرهم، لا سيما بعد ما نُشر عن محاولة اغتياله والتخطيط للانقلاب على الحكم.
عبد الناصر والقومية العربية

Abdel Nasser delivers a speech on the fifth anniversary of the overthrow of King Farouk at Liberation Square in Alexandria, Egypt on July 26, 1957. Source: AP
استطاع جمال عبد الناصر ترسيخ مصر كلاعب أساسي في كل القضايا العربية لتصبح القاهرة محط رحال كل الملفات العربية الشائكة.
آمن عبد الناصر بفكرة القومية العربية ودعا للوحدة العربية لمواجهة ما اعتبره تهديدات وهيمنة الاستعمار.
دعا جمال عبد الناصر للعمل على بناء نظام عربي جديد يتماشى مع العصر الحديث ويشكل تكتلا قويا ضمن التكتلات العالمية.
وجدت تلك الدعوات صداها أنحاء العالم العربي فانجذب إليها الكثيرون في مشرقه ومغربه.
وكانت بداية الغيث تحقيق الوحدة مع سوريا في عام 58 لكن هذه الوحدة لم تصمد طويلا، وكما تعددت عوامل نجاحها في البداية تعددت عوامل فشلها.
ويقول البروفسور أحمد شبول إن "ما أفشل مشروع عبد الناصر هو النكسة عام 67، فكانت كارثة كبيرة، وأغلقت الصفحة نهائيا بالنسبة لعبد الناصر وأنا أعتبر أن 67 هي نقطة تحول كبيرة في العالم العربي".
عبد الناصر وحركات التحرر العربية
إصرار عبد الناصر على دعم حركات التحرر في ستينيات القرن العشرين دفعه لمساندتها في الجزائر واليمن وأفريقيا.
اهتمام عبد الناصر بالقضية الفلسطينية كان محوريا خلال سنوات حكمه ،حتى أنه قبل ساعات من وفاته كان قد توصل إلى وقف القتال بين القوات الأردنية والمسلحين الفلسطينيين فيما عرف بمعارك أيلول الأسود.
ويقول الصحافي ماهر المغربي إن اهتمام عبد الناصر بفلسطين بدأ حينما كان في الفالوجة عام 1948، وإن "مأساة فلسطين هي مأساة عبد الناصر"
وبعد نصف قرن على رحيل عبد الناصر لا تزال تتباين في تقييم مشروعه الآراء، ولا يزال عبد الناصر حاضرا في أذهان وقلوب الكثيرين، لكونه واحدا من أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم العربي في القرن الماضي، في وقت تغيرت فيه معطيات ووقائعُ كثيرة في ذلك العالم العربي لذي أحب.