تفرض بلدة كونامبل الريفية في ولاية نيو ساوث ويلز قيودا صارمة لمكافحة انتشار فيروس كورونا وطبقتها قبل أسبوع من اعلان حكومة الولاية التوصيات الرسمية لحماية مواطنيها خصوصا من السكان الأصليين.
تقع في ولاية نيو ساوث ويلز في منطقة أورانا، وتحديدا بجوار طريق Castlereagh السريع ونهر Castlereagh
وتشمل Coonamble Shire البلدات Coonamble و Gulargambone و Quambone وتبعد حوالي 500 كم من المركز التجاري الرئيسي لمدينة سيدني.
وبذل مجلس البلدية جهودًا كبيرة للمساعدة في مكافحة انتشار وباء فيروس كورونا في المنطقة التي يتحمل المسؤولية عنها، و كانت المدينة الصغيرة سباقة بفرض أسرع وأكثر الاجراءات صرامة في المنطقة. ومنذ بداية تفشي الوباء، اخذ مجلس البلدية بقيادة العمدة أحمد قرنوح التحذيرات من الوباء على محمل الجد، وفرض قيودا قبل أسابيع من نشر توصيات حكومة نيو ساوث ويلز بهذا الصدد.

Coonamble Shire Council Source: SK
وقال السيد قرنوح: "كنا نتابع الأخبار ونتلقى رسائل كثيرة من السلطات الصحية في المنطقة الغربية للولاية، وشعرنا بحدة الأزمة منذ البداية خصوصا على مواطنينا من السكان الأصليين، فاتخذنا قرارا بإغلاق العديد من الأماكن العامة."
وعليه، تم اغلاق أماكن عامة قبل 10 أيام كاملة من توصيات حكومة نيو ساوث ويلز ومنها حمامات السباحة، المكتبات، مركز معلومات الزوار، ملاعب الأطفال، حديقة الكارافان للزوار الجدد، مركز الاعتناء بالشباب بعد المدرسة، برنامج العطلات الترفيه للأطفال والشباب ومتحف البلدة.
وأضاف: " أرسلنا نصف موظفي مجلس البلدية للعمل من منازلهم بدلا من الدوام يوميا والاحتكاك ببعضهم ببعض في مكان العمل."

Coonamble empty streets Source: SK
وكانت هذه الإجراءات السباقة التي اتخذها مجلس البلدية وغيرها كفيلة بمنع انتشار الفيروس منذ بداية الأزمة في كانون الثاني – يناير الى ان تم الإعلان عن حالة الاصابة الأولى والثانية الأسبوع الفائت ولم يتم الإعلان ان كانتا من السكان الأصليين بعد. وماتزال التحقيقات جارية لمعرفة مصدر العدوى.
يقول السيد قرنوح ان البلدية تجهد لمنع انتشار الوباء الى عدد أكبر من المواطنين. خصوصا ان هناك أكثر من 33 بالمئة من السكان هم من السكان الأصليين الذين صنفتهم دائرة الصحة الرسمية بأنهم من أكثر الفئات المعرضة للإصابة بأعراض الوباء الخطيرة، وبسبب معاناة معظمهم من أمراض مزمنة وضعف جهاز المناعة عند بعضهم بالمقارنة مع معدل ضعف الجهاز عند الشعوب الأخرى.
وأوصى مجلس البلدية بتنفيذ قواعد التباعد والمسافة الاجتماعية الصارمة قبل أسبوعين من تطبيق الإجراءات الحكومية الرسمية في كافة انحاء البلاد.

Empty streets of Coonamble Source: SK
كما تم إعطاء أصحاب السوبرماركت تعليمات حول المسافة الاجتماعية الآمنة قبل فرضها رسميا من حكومة نيو ساوث ويلز. وتأثرت هذه المحلات في المنطقة بشدة بسبب أزمة شراء الزبائن بغرض التخزين التي شهدتها البلاد بأكملها. ونتج عن ذلك ضغط كبير على تلك المحلات وعلى بعض أفراد المجتمع الذين أصبحوا غير قادرين على الحصول على الإمدادات الضرورية.
"لاحظنا ان سكان المنطقة يتوجهون الى هذه المحلات بغرض لقاء أصدقائهم، مما دعانا الى تحديد عدد الأشخاص الذين يمكنهم الدخول للتسوق في وقت واحد في المتجرين الأكبر في البلدة."
ويضيف السيد قرنوح بأن موجة تخزين المنتجات لا تزال تهيمن على السكان.
وفي ظل اعلان الحكومة الفيدرالية عن فرض قيود جديدة خلال عطلة نهاية الأسبوع على جميع التجمعات غير الضرورية، لتصبح التجمعات لا تزيد عن شخصين داخل أو خارج المنزل. وإدخال قانون الصحة العامة القسم (7/8/9 - COVID-19) الذي بموجبه لا يُسمح لأي من المواطنين بمغادرة المنزل إلا بعذر مقبول، حصل خمسة من مواطني كونمبيل على 5 مخالفات حتى الآن ومن ضمنها مخالفات متكررة لنفس الأشخاص.
وعلق السيد قرنوح بان معظم المخالفين كانوا من السكان الأصليين في البلدة.

Coonamble town Source: SK
"المشكلة تكمن في وجود مخالفين متكررين بين هؤلاء. اذ قامت الشرطة في البداية بتوقيفهم وقدمت لهم النصائح بالعودة الى المنزل والخروج منه بسبب عذر مقبول. ولكن عاد البعض وخرج من منازلهم بساعتين مجددا."
ويعد Coonamble Aboriginal Health Service المركز الصحي الوحيد المخصص للخدمات الصحية للسكان الأصليين في بلدة كونامبل ولكن مع بدأ الأزمة تم تحويله الى مركز فحص للكشف عن فيروس كورونا، بالإضافة الى مصدر لتقديم التوجيهات الصحية للسكان أجمعين.
"للأسف، اضطررنا الى اغلاقه لمدة ثلاثة أسابيع منذ الخميس (2/4) لأن الشخص الثاني الذي أصيب بالفيروس تم فحصة في هذه العيادة. لذلك لم يتبقى لدينا خيار سوى تحويل جميع حالات الفحص الى المستشفى. وهذا خيار لم يكن الأفضل بالنسبة لنا لأن معظم مرضى المستشفى هم من كبار السن ولا نرغب بتعريضهم للعدوى."
ولكن بحسب السيد قرنوح يوجد في المنطقة أنظمة وموارد وعمليات صارمة للتعامل مع أي شخص يحتاج إلى دخول المستشفى بسبب COVID-19.
"لدينا ما يكفي من الأطباء ومستشفى جيدة، ولكن ليس لدينا المقدرة مثل تلك التي في مدينة سيدني أو مركز رئيسي آخر في الولاية مثل أورانج لهذا سيكون الوضع صعب علينا. لهذا لن تستطيع المنطقة تقديم خدمات صحية مماثلة لتلك التي كنا نقدمها قبل الأزمة."
"لكن خدمات نقل المرضى الى مدن أخرى جاهزة لو تطلب الأمر."

Empty streets of Coonamble Source: SK
تحدي منع انتقال العدوى الى السكان الأصليين
يقول السيد قرنوح: "الخوف ناجم من أن السكان الأصليين هم على غرار العرب، يحبون البقاء سوية كعائلة. يزرون بعضهم دائما، ويسكن بعض منهم في منزل واحد أي الاب والام والأولاد وأزواجهم والأحفاد. ويحبون الخروج للتمشي في الحدائق والأماكن العامة لأن التنزه في الهواء الطلق بالنسبة لهم عادة وهذه يشكل خطرا عليهم وعلى المجتمع من حولهم."
ويضيف السيد قرنوح أن الشرطة في المنطقة أعلنت عن العقوبات والغرامات الباهظة حتى يتفادى الجميع الخروج من المنزل دون سبب وجيه.
وذكر السيد قرانوح أن استجابة السكان للبقاء في المنازل كانت إيجابية، الا أن البعض ما يزال ينتهز فرصة الذهاب الى متاجر البقالة لالتقاء الأصدقاء والترفيه عن أنفسهم.

Cr Ahmad Karanouh with visitors to Coonamble. Source: SK
حكاية السيد أحمد قرنوح مع بلدة كونابيل
انتقل السيد قرنوح، رئيس بلدية كونابيل من مدينة سيدني اليها قبل 21 عاما. ويقول بأنه أول عربي مسلم انتقل ليعيش هناك وهو على حد علمه العربي الوحيد الذي يسكن فيها الآن.
"كان سبب انتقالي الرئيسي اليها هو رغبتي بتربية أبنائي في منطقة صغيرة شبيها لتلك التي ولدت وترعرعت فيها في لبنان على الأقل حتى يتمون فترة التعليم المدرسي. أنا فلسطيني لبناني وهاجرت من طرابلس الى الكويت ومن ثم الى أستراليا عام 1980."
وكان السيد قرنوح يملك مطعما متحركا لبيع وجبات الكباب الشهيرة وحظي المطعم بشعبية كبيرة مع مرور الوقت ليصبح من مطعما صغيرا الى سلسة مطاعم في المنطقة.
ويقول السيد قرنوح كانت البداية صعبة جدا.
"البلدة هذه على غرار العديد من المدن، هناك أشخاص هنا أشخاص منفتحين ومتقبلين للتعددية الثقافية وتنوع أبنائها. وهناك آخرين لم يقوموا بمغادرة هذه البلدات أبدا حتى لمجرد زيارة سيدني. لذلك اضطررنا للتعامل مع هذين النوع من الناس."

Coonamble Source: SK
ويضيف أن أغلبية السكان كانوا أناس طيبين للغاية ولكن كان عليه أن يثبت لهم أنه يعيش معهم على السراء والضراء.
"عليك اثبات نفسك أمامهم، واثبات بأنك لست هناك للعمل وادخار المال والمضي قدما وتركهم ورائك."
"في أول سنتين لي في البلدة كنت أواظب على العمل ليلا ونهارا. ولاحظ سكان البلدة اجتهادي في عملي وولائي لزوجتي وأطفالي."

Cr Ahmad Karanouh with grandson Source: SK
وشهد عام 2013 نقلة نوعية في تاريخ السيد أحمد قرنوح المهني، اذ قرر بوضع اسمه كمرشح لانتخابات البلدية ليجد اسمه الفائز الأول بتصويت الداعمين ليقود البلدية.
ومن مالك مصلحة تجارية صغيرة آنذاك الى رئيس بلدية لأربع دورات انتخابية متتالية. وداوم سكان البلدة على انتخابه في كل دورة انتخابات ليحتل هذه المكانة اليوم لفترة زمنية تبلغ 12 عاما.
"واجهت بعض من العنصرية، وكان هناك أشخاص يتحدثون ضدي. ولكن هناك داعمين لي ولمجهودي وينظرون لي كرجل أعمال ناجح وأستحق الحصول على فرصة مثل أي مواطن آخر."

Cr Ahmad Karanouh Source: Coonamble Shire Council website
ويضيف السيد قرنوح بأنه ينوي العودة للعيش في مدينة سيدني مع أولاده الذين يدرسون في الجامعة هناك، بعد انتهاء هذه الفترة من رئاسته لبلدية كونابيل في غرب ولاية نيو ساوث ويلز.

Cr Ahmad Karanouh with locals Source: SK