التبرع بالأعضاء: "خلدت ذكرى طفلتي في أجساد غرباء لم يعرفوها"

نعيم ملحم.PNG

يتناول بودكاست "لحظة في العمر" في حلقاته الثلاث تفاصيل لحظات حاسمة غيرت مسار اناس وبدلت اقدارهم للأبد. لحظات جاء بعضها بعد انتظار سنوات، ولحظات اخرى جاءت في غفلة من الزمن. لحظات موت وميلاد...لحظات بداية ونهايات. كيف تفاعل ضيوفنا مع تلك اللحظات وما تبعها من اثار؟ استمعوا لحلقة هذه الاسبوع "موت بطعم الحياة".


كان الرابع والعشرون من فبراير شباط 1995 يوما فاصلا في حياة نعيم ملحم، الناشط المجتمعي عضو البلدية الاب ورب العائلة كل شيء كان كما يجب...حياة عامرة بالنجاح والسعادة والرضا. ولكن في ذلك اليوم اختطف الموت فجأة طفلته البكر سلمى ابنة الثماني سنوات.

قليلة هي اللحظات التي يتفق البشر باختلافهم على قسوتها وصعوبتها، ولكن فقد الابناء وخسارتهم هي من تلك المواقف التي تقتلع السعادة من النفس وتصبغ باقي الايام بمرارة لا يخففها الزمان، يقول السيد نعيم ملحم ان موت ابنته سلمى بحادث مفاجئ امام منزلهم هز ما كان يعتقده يقينا ومن مسلمات الحياة.

" يعتقد الناس ان ابنائهم هم من سيدفنونهم وليس العكس، من الصعب جدا ان تفقد طفلا فجأة بدون اي انذار"

بدأ اليوم الذي رحلت فيه سلمى عن الحياة بشكل عادي ككل الايام التي سبقته، لا ينبأ بأن ساعاته تحمل اختبارا لا يصمد امامه الكثيرون.

تلقى نعيم اتصالا من سلمى تطالبه بالعودة مبكرا من عمله فهي تعد ليوم مميز حافل بالمرح ولن يكتمل بدون وجوده "عندما اتصلت بي سلمى قالت لي دعوت اصدقائي للسباحة اليوم فأرجوك بابا عد سريعا لنستمتع جميعا"
اقرأ المزيد

أين سأُدفن؟

دخل السيد نعيم الى منزله الداج بالأطفال ورأى سلمى وشقيقها الصغير وسط اصدقائهم واطفال العائلة فاطمأن قلبه، ومر اليوم وسط ضحكات الاطفال وثرثارات الكبار وتناول الباربكيو...ولكن في ومضة من الزمن قال القدر كلمته.

قررت سلمى ومجموعة من الاطفال ان يتوجهوا لمدرستهم في الشارع المقابل حيث كان هناك فعاليات ترفيهية. وفي طريق عودتهم اصطدمت سيارة بسلمى ابنة الثماني سنوات وثمان أشهر.

"سمعت صرخة في الخارج فركضت. طلبنا سيارة الاسعاف التي اخذتها للمستشفى، للأسف الشديد كان جسم سلمى صغيرا وضعيفا ولم يتحمل صدمة السيارة"

وانتظرت العائلة في المستشفى لساعة من الزمن بدت وكأنها دهر...تعلقوا فيها بأمل ان يستطيع الاطباء انقاذ صغيرتهم، اول فرحتهم وقلب عائلتهم النابض بالحياة.
توفيت سلمى، ولكن كانت وفاتها بداية لحياة جديدة: "أدخلونا الى غرفة بعد ساعة وقالوا لنا انهم حاولوا كل شيء لمساعدتها دون فائدة، وطرحوا علينا فكرة التبرع بالأعضاء، فكان ردنا: خذوا ما تريدون"

قرار العائلة بالتبرع بأعضاء سلمى بعد وفاتها كان مفاجئا للكثيرين، كان نادر الحدوث في اوساط الجالية العربية واللبنانية تحديدا، ولكنه كان سابقة خلدت ذكرى سلمى في قلوب غرباء لم يلتقوا بها من قبل

"كتبت الجرائد في كل استراليا عن حادثة سلمى وقرار العائلة، كان الخبر كبيرا لأن لم يكن الكثيرون يعرفون بالتبرع بالأعضاء"
LISTEN TO
التبرع بالأعضاء: "خلدت ذكرى طفلتي في أجساد غرباء لم يعرفوها" image

التبرع بالأعضاء: "خلدت ذكرى طفلتي في أجساد غرباء لم يعرفوها"

13:55
"كان الدعم كبيرا من الجميع الا من شخص واحد بلغني قوله انه الدين يحرم التبرع بالأعضاء ولذلك فهو لن يعزيني في وفاة ابنتي"

قرار التبرع بأعضاء طفلتهم المتوفاة وضع نعيم ملحم وعائلته امام هدف تمحورت حياتهم حوله ليصبحوا ادوات تغيير ودعاة للتبرع بالأعضاء في مجتمعهم، مهمة يفتخرون بها ولا يكلون من أدائها: "نحن فخورون بالقرار الذي اتخذناه، فلقد ساعدنا انسانة اخرى للبقاء على الحياة وهذا الامر مكننا من التعايش مع الحياة بعد موت ابنتنا والتي خلّد التبرع بالأعضاء ذكراها لأبد الابدين".

كيف استطاع نعيم ملحم وعالته تحويل الفاجعة التي تهتز لها الجبال الى دعوة للتشبث لا لحياة والامل ...كيف استطاع ان يمنح عوائل اخرى جزءا من ابنته ينجي صغارهم من الموت، يقول استشاري اول الامراض النفسية الدكتور سمير ابراهيم "ان بعض الاشخاص يمرون بالصدمات والكوارث فيخرجون منها أكثر قوة ويتحولون الى نموذج للصمود يستمد مجتمعهم منهم الحكمة والثبات"

في الرابع والعشرين من فبراير شباط 1995 تغيرت حياة نعيم ملحم وعائلته للأبد، تحول المنزل الذي كانت تملاءة الضحكات قبل ساعات قليلة الى دار عزاء تهافت اليه الاهل والاصدقاء المصدومين بالفاجعة التي المّت بالعائلة... "لقد ازداد ايماننا قوة بعد وفاة سلمى خاصة بعد ان عرفنا ان طفلة حصلت على قلب سلمى وهي الان بصحة جيدة"

"الحياة جميلة للغاية عندما يقدر الانسان ما بيديه ويشكر الرب عليه دائما"

سبعة وعشرون عاما مرت على رحيل سلمى ورغم حياتها القصيرة الا انها ساهمت في تغيير نظرة المجتمع حول التبرع بالأعضاء وساهمت في انقاذ حياة الكثيرين، فكيف كانت هذه الطفلة التي كتب لها القدر رحيلا بطعم الخلود “كانت قريبة مني للغاية، كنا نشاهد احداث رواندا المأساوية على التلفاز معا، فالتفت الي وقالت: بابا انت عضو بلدية لماذا لا تساعد هؤلاء الناس؟ يجب ان نساعدهم بابا"

أضغطوا على الرابط اعلاه للاستماع لحلقة هذا الاسبوع من بودكاست "لحظة في العمر".
أكملوا الحوار عبر حساباتنا على و و

توجهوا الآن إلى للاطلاع على آخر الأخبار الأسترالية والمواضيع التي تهمكم.

يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر  أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على 


شارك