في إطار الحملة التي أطلقتها وسائل الإعلام قبل بضعة أشهر ضد الضغوط التي يتعرض لها الصحافيون في أستراليا لدى قيامهم بواجباتهم المهنية، افتُتح في كانبرا مساء أمس المتحف الوطني لحرية الصحافة.
ويضم المتحف الذي أقيم ضمن المبنى القديم للبرلمان قصصاً يرويها اثنا عشر صحافياً وصحافية من الذين تعرضوا لمضايقات بسبب تحقيقاتهم المهنية وحماية مصادرهم.
وبين الإعلاميين الذين يروون خبراتهم في المتحف، أسماء كبيرة في عالم الصحافة الأسترالية أبرزها مقدّم برنامج "أستراليا اليوم" على أس بي أس عربي الصحافي اللبناني الأسترالي غسان نخول الذي كشف الأساليب التي يعتمدها مهربو البشر في عملياتهم.

Australian newspapers Source: AAP
مسيرة نخول الطويلة والعريقة في أس بي أس عربي 24 خير شاهد على أن الحقيقة مقدّسة لديه، والحق يجب أن يقال لو مهما كان الثمن غالياً وقد حمل هذه الحقيقة سلاحاً بيده طوال مسيرته المهنية التي كرسها لإيصال صوت الحق.
ولعلّ القصة التي ستعرض في المتحف الوطني لحرية الصحافة كانت الإختبار الذي أثبت فيه الصحافي في أس بي أس عربي 24 التزامه بالمحافظة على شرف المهنة. ويروي غسان في لقاء مع برنامج "صباح الخير أستراليا": "في عزّ موجة تهريب البشر إلى أستراليا وعندما كنا نسمع بشعارات مناهضة لهذه الظاهرة ومتخوفة منها، دفعني الحس المهني إلى السعي للإستماع إلى رأي الجانب الآخر من القصة فاستطعت التوصل إلى حديث مع أحد المهربين الذي ربما ساهم في تهريب نحو 1700 شخص إلى البلاد."
طبعاً السلطات الأسترالية تواصلت مع نخول لمعرفة كيف استطاع الوصول إليه، وقد أصرّت على هذا الأمر بعد قدوم هذا الشخص إلى أستراليا بجواز سفر مزوّر، غير أن الصحافي واحتراماً لشرفه المهني رفض الكشف عن مصدر المعلومات والذي كان وعده بحمايته. ولكن سرعان ما كان على مخول مواجهة المحكمة حيث كان من المحتمل أن يسجن لخمس سنوات بسبب عدم الإفصاح عن المصدر: "تمّ استدعائي إلى المحكمة حيث لحسن الحظ تراجع الإدعاء عن المطالبة بكشف المصدر".
في هذه اللحظة شعر غسان أنه غير محميّ كصحافي من قبل القانون الأسترالي إذ ليس هناك أي مادة تحمي سرية المصادر الصحفية غير أنه بالمقابل لقي دعماً كبيراً من مؤسسة الأس بي أس وفريقها القضائي: "أحاطوني بدعم ورعاية كبيرين ولن أنسى الجهود التي قام بها قريق المحاماة التابع للمؤسسة والإدارة العليا".
من الصحافيين أيضاً الذين يشمل المتحف قصصهم، Peter Greste الذي سُجن في مصر، والصحافي Chris Masters الذي أدت تحقيقاته في برنامج Four Corners قبل أكثر من عقدين من الزمن إلى تشكيل مفوضية ملكية للتحقيق بالفساد في شرطة كوينزلاند أعقبتها مفوضية مماثلة للتحقيق بالفساد في شرطة نيو ساوث ويلز، والصحافية Joanne McCarthy التي أدت تحقيقاتها إلى إنشاء المفوضية الملكية للتحقيق بالإساءة إلى الأطفال في المؤسسات الأسترالية من دينية ومدنية وكشفية وحكومية.
ولا يمكن أن ننسى الصحافية لدى نيوز كورب Annika Smethurst التي داهمت الشرطة الفدرالية منزلها في حزيران/يونيو الماضي لنشرها تقريراً عن تجسس الاستخبارات الأسترالية على مواطنيها. وقد أدت هذه المداهمة التي جاءت بعد مداهمة مكاتب الـ ABC لنشرها تقارير عن مزاعم بانتهاكات ارتكبها الجيش الأسترالي في أفغانستان، إلى إطلاق حملة واسعة تشارك فيها كل وسائل الإعلام.
المدير التنفيذي للـ SBS السيد James Taylor ألقى كلمة افتتاحية في الحشد الكبير الذي حضر حفل الافتتاح أمس، شدد فيها على ضرورة حماية الصحافيين لكي يتمكنوا من الكشف عن المعلومات الحيوية وإيصالها إلى الأستراليين من دون تشويه أو تحريف.

AFP officers searching the ABC offices in Sydney. Source: Twitter
وبالإضافة إلى حماية الصحافيين من الضغوط الحكومية والقضائية لدى قيامهم بعملهم، تطالب وسائل الإعلام أيضاً بتسهيل قوانين حرية الحصول على المعلومات، وعدم التلاعب بالمعلومات التي يتم الحصول عليها بموجب هذه القوانين أو طمس أجزاء كبيرة منها، كما يحصل حالياً.
وهنا قال الزميل غسان نخول: "كان هناك نوع من إعادة فحص الضمير المهني لمراجعة أداء وسائل الإعلام وأوجه التقصير في هذا عملها خصوصاً بعد الأبحاث التي كشفت أن ثقة الأستراليين بالصحافيين هي للأسف أقل من ثقتهم بالسياسيين ".
ولا يقتصر المتحف على مساهمات الصحافيين وقصصهم، بل يؤرخ أيضاً للعمل الصحافي في أستراليا، بحيث يعرض نماذج من الأدوات والآلات والمطابع والمسجلات والكاميرات التي كان يستخدمها الصحافيون على مر السنين في أستراليا.
ويُتوقع أن يشكل المتحف مزاراً للطلاب والأكاديميين والباحثين والسياح على حد سواء ويمكن للزوار أن يشاهدوا قصة غسان وغيره من الصحافيين على شاشات كبيرة ضمن مشروع Truth To Power.