تفاعلت المجتمعات العربية في الأوطان الأم وفي الغرب بشكل كثيف مع قضية مقتل الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد على يد شرطي أبيض، وعبر كثيرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن رفضهم لهذه الظاهرة البغيضة، ولكن ماذا عن العنصرية بيننا؟
تكمن مشكلة العنصرية في كونها قادرةً على التلون والتخفي والتسلل إلى تفاصيل حياتنا ومصطلحاتنا وقناعاتنا دون أن ندري في كثير من الأحيان. ولعل وقعها يكون أكثر ايلاماً عندما تخرج من أفواه أفراد أسرنا وأصدقائنا كالسهم المسموم لتصيبنا في مقتل تاركة ندباً عميقة نعاني من آثارها لسنوات.
في الحلقة الاولى من بودكاست "العنصرية بيننا" (اضغط على الملف الصوتي المرفق بالصورة) نستمع الى أستراليين من أصول عربية جاؤوا من مجتمعات تقف على نقاط تماس هويات مختلفة.
"لماذا علي أن أبيّض نفسي لأبدو جميلة؟"
تجزم وجدان عثمان وهي أسترالية من أصل ارتري وتعمل في مجال العمل الاجتماعي ورعاية الأطفال ان صاحب البشرة الداكنة قد يمارس نوعاً من التمييز تجاه غيره: "يمكن أن يكون عنصرياً تجاه من هو أكثر سواداً. هذا ما يعرف بعقدة اللون. نعاني من عنصرية الأبيض ونمارسها بشكل عكسي."
تحدثت وجدان بصوت شابه الألم عن مقاييس الجمال المرتبطة في الدول العربية على نحو واسع بلون البشرة فالأفتح لوناً أجمل مما يدفع بصاحبات البشرة الداكنة إلى استخدام مساحيق التجميل والمبيضات للظهور بهيئة مختلفة.
يتم دائما ربط السواد بالقبح وهذا شيء بشع لان مقاييس الجمال مختلفة فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.
وروت وجدان قصة من زيارة حديثة لها إلى السودان، حيث أرادت أن يشاهد أفراد من أسرتها شريط عرسها هنا في أستراليا، ولكن الصدمة كانت بادية على وجوههم لأن الفتيات من ذوات البشرة الدكنة ظهرت على طبيعتهن:"قالوا لي: معقول كل البنات طالعين بلونهم الطبيعي؟ قلت لهم: نعم، لديهن ثقة بأنفسهن وهن بالفعل جميلات."
وتتساءل وجدان من واقع تجربتها الحياتية: "لماذا علي أن أبيض نفسي لأكون جميلة؟" وتؤكد على ضرورة أن نثقف أنفسنا وألا نترك العنصرية لتتغلغل – بقصد أو دون قصد – في حياتنا واضعة قيداً على فكرنا وحدوداً لإبداعنا.
سمعت مرة طفلة تقول: أمي تقول أن أختي أجمل لأن بشرتها أفتح. لماذا نربي هذه العقد في أطفالنا؟
"أنا أحمر"
"أنا أحمر" هكذا وصف الصحفي السوداني الأسترالي أمين الجمل لون بشرته في موطنه الأصلي، فخلافاً للاعتقاد السائد بأن درجات البشرة الداكنة في الدول الافريقية واحدة، يضع لنا أمين هذه الألوان في سياق أكثر وضوحاً: " التوصيفات السودانية للون كثيرة، من الأحمر إلى الأبيض إلى الأصفر (الحنطي) وبعد ذلك الأخضر والأزرق والأسود."
وروى أمين قصة مفادها أن الكثير من السودانيين لا يصدقون في كثير من الأحيان أنه يتحدر من السودان بسبب لون بشرته: "لا يصدقون أنني سوداني الا اذا قدمت اثبات وتحدثت باللهجة السودانية ومتشبع بالثقافة السودانية."
ويُطلق في السودان وصف "حلبي" على صاحب البشرة الفاتحة ويبدو أن التجار في قديم الزمن كانوا سبباً في رواج هذا التوصيف كما شرح أمين: "يقال أن تجار حلب كانوا ينقلون بضاعتهم للسودان واطلق في السودان على اللون الفاتح هذا الإسم."
قد لا يبدو هذا التوصيف سلبياً للوهلة الأولى، ولكن وراءه تصنيفات أخرى أخرى مترافقة معه تضم في طياتها تمييزاً عنصرياً، فإذا قيل لفلان أنت حلبي، تكون مقرونة في كثير من الأحيان بمهن معينة ينظر إليها المجتمع السوداني بطريقة دونية.
حلبي يعني فقير ويمارس مهنة معينة، حلبي بتاع سراير او بتاع فسيخ.
وحتى عندما كان يعمل أمين في الحقل الإعلامي في وطنه الأم، اعتاد على عنصرية من نوع آخر: "على مستوى الزملاء كان فيه نوع من الانتقاد لاختياري لأظهر على الشاشة، في اعتقاد كثيرين يجب أن يكون في الواجهة من يندرج لون بشرته ضمن اللون السائد والغالب."
قد يبدو ذلك صادماً ولكن إذا تتبعنا أصل عقدة اللون او لوجدناها مرتبطة بشكل وثيق بالنظام القبلي، فلون البشرة قد يشكل علامة فارقة لأبناء القبيلة فالغريب ليس موضع ترحيب.
ويرى الناشط الحقوقي ياسين جودة والمتحدر من إقليم كردفان في وسط السودان ان الاستعمار لعب دوراً في تعميق هذه النزعة العنصرية: "عمد الاستعمار إلى تطبيق سياسة (فرّق تسد) فقد مارسوا كتير من السياسات اللي خلقت نوع من التمييز، فباتت بعض القبائل تشعر بالنقاء العرقي وتمارس عنفاً تجاه قبائل أخرى."
وبعد وصوله إلى أستراليا منذ أكثر من 20 عاماً، دأب ياسين على تنظيم الوقفات الاحتجاجية لدعم ضحايا التطهير العرقي في دارفور ولكنه فوجئ بإحدى المرات بموقف عنصري بسبب لون بشرته: "واحد من الحضور رفض مصافحتي لأنني من العرب! أنا اندهشت جداً وشعرت بالرأفة تجاهه. اعتقد بسبب لون بشرتي أنني أنتمي لإحدى القبائل التي تمارس التطهير العرقي."
في الثقافة السودانية، النكتة مثلاً تكرس للعنصرية داخل الأسرة ويتم تناقلها بحس نية ودون وعي.
استمعوا إلى الحلقة الأولى من بودكاست "العنصرية بيننا" في الملف الصوتي المرفق بالصورة أعلاه.