من رحم المعاناة يظهر الإبداع، وفي ميدان إثبات الوجود ورفض الحظر، يأتي التذاكي على الواقع الصعب، بخلق رموز ظهرت في لحظة لم تخطر على البال، لتُرفع في المنصات تعبيرًا عن تضامن ٍأو احتجاج.
وهذا ما حدث مع لوحة "البطيخ المقسوم" التي تحولت إلى أيقونة عند الفلسطينيين تُعبر عن قضيتهم.
فحين تُقَسّمُ البطيخة لنصفين، يكون اللون الأحمر حاضرًا، وتعلو حوافه قشرة بيضاء يغلفها لون أخضر، فيما تتناثر حبيات ذات لون أسود على السطح الأحمر.
اقرأ المزيد

تحية من القلب لشاعر فلسطين محمود درويش
رمزية ألوان البطيخ هذه، أصبحت تكتيكًا له حكاية من وحي الواقع الفلسطيني، حين فُرض حظر على رفع العَلم الفلسطيني من السلطات الإسرائيلية في مراحل الصراع، ما جعل رفعه في ذلك الحين يعتبر جريمة يُعرض حامله للمساءلة والمحاكمة القانونية.
أبدع الفنان الفلسطيني المقيم في رام الله خالد الحوراني، فكرة ذكية في سياق التهكم والسخرية من المحددات المفروضة على رفع العلم الفلسطيني، إثر سماعه رواية حدثه بها زملاؤه جرت في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
إذا اجتمع فنانون فلسطينيون مع ضابط إسرائيلي مبدين عزمهم تشكيل رابطة للفنانين، وهم: سليمان منصور، ونبيل عناني، وعصام بدر، وفي الاجتماع، قدم ضابط إسرائيلي للفنانين لائحة بالرموز الوطنية الممنوع رسمها، من بينها العَلم الفلسطيني أو ألوانه.
فسأله الفنان عصام بدر: “ماذا عن رسم وردة بألوان العَلم؟
ردّ الضابط: “ممنوع، حتى وإن كانت بطيخة".

Watermelon Source: Getty / Getty Images
لتأتي ألوان العَلَم عبر البطيخ، بمثابة إشارةٍ إلى العَلم وألوانه الأربعة، وهذا ما حصل عبر أجيال.
ونُشر عمل الحوراني في أطلس فلسطين الذاتي Subjective atlas of Palestine كجزء من فكرة تدور حول علم فلسطين الجديد، وذُكرت القصة فيه.

Watermelon piece by Palestinian artist Khaled Hourani, 2007
وسافرت لوحته التي تحمل عنوان "قصة البطيخ" حول العالم، واكتسبت شهرة أكبر في عام 2021، حيث ظهرت البطيخة في حملة “أنقِذوا الشيخ جراح”، وظهرت أيضًا أثناء الصراع الدائر في غزة عام 2023، ليظهر البطيخ الفلسطيني -علَماً وخريطةً- في اللوحات الجدارية، والتصاميم، والرسومات، وعلى اللافتات في التظاهرات.
من بعدها، بدأت أنصاف البطيخ بلونها الأحمر، والأسود، والأبيض والأخضر، تظهر معبرة عن فلسطين"، فيما يواصل الفنانون العالميون إنتاج أعمال فنية تستخدم البطيخ تعبيراً عن تضامنهم مع الفلسطينيين.
في العالم السيبراني، يحاول الفلسطينيون الالتفاف على حظر منصات التواصل الاجتماعي أي تضامن مع الرموز الفلسطينية، فيتذاكون على الرقابة الإلكترونية وخوارزمياتها، باستخدام رسومات البطيخ كرمز للعَلم الفلسطيني.
لذلك فقد أصبح البطيخ، سواء كان محمولاً باليد، أو مُصوراً، أو كرمز تعبيري في منشورات الإنترنت يشير لدعم القضية الفلسطينية.

Source: SBS / SBS Arabic24
فيما أخذ يشيع استخدام "إيموجي البطيخ" على منصات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم، ليعكس فيضًا من النشاط والتضامن مع الفلسطينين عبر الشبكة العنكبوتية متجاوزًا حدود السياسية والجغرافيا.
وهذا ما عبّر عنه الفنان خالد الحوراني بقوله: "إن الفن قد يكون أحيانًا سياسيًا أكثر من السياسة نفسها."
أما على منصة "تيك توك"، فقد ظهر “فلتر البطيخ”. كرمز لجمع التبرعات ودعم الضحايا من المدنيين في قطاع غزة الذين يعانون تحت وطأة الهجمات.
حيث قام آلاف المستخدمين بتحميل “فلتر البطيخ” مؤخرًا على منصة"تيك توك"، عبر جهود فتاة تبلغ من العمر 27 عامًا وهي جوردان جونسون، التي أطلقت هذا الفلتر لجمع التبرعات وكوسيلة جديدة لإظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني على مستوى العالم.
ورغم أن البطيخة قُدمت كحيلة فنية، وكنوع من السخرية باقتراح البديل عن العلم للدلالة على المكان، فقد حضرت أيضُا هذه الأيقونة الجديدة في الأغاني والشعارات والرسوم، في كل مكان، كشيء اختاره الفلسطينيون بعفوية تامة، في مواجهة المنع ومنغصات الواقع.