خلال السنوات الثمانية الماضية يقول عدد من المحللين الاستراتيجيين إن نفوذ الولايات المتحدة قد تراجع في منطقتي آسيا والمحيط الباسيفيكي أمام الصين.
تراجع نفوذ الولايات المتحدة لم يحدث فجأة، خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما نعهد بطرح سياسة أمريكية جديدة أطلق عليها اسم The Pivot أو التحول. وكان المقصود من تلك السياسة تغيير أولويات الولايات المتحدة لتكون الأولوية لمنطقة آسيا والمحيط الباسيفيكي.
ورغم قيادته لتلك السياسة، إلا أنه لم يتحرك أمام انتزاع الصين أحدى جزر الفلبين –حليفة أمريكا- ولم يتخذ خطوات عملية أمام بناء الصين قواعد عسكرية جديدة خارج حدودها، وانتهى عهد أوباما دون أن تتحقق سياسته على أرض الواقع.
الآن تحت قيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فإن جميع الدول مطالبة بالدفع مقابل تدخل الولايات المتحدة في أي نزاع. فهل تخلت الولايات المتحدة عن دورها؟
قال العميد وجيه رافع الملحق العسكري اللبناني السابق في واشنطن إنه يستغرب من الحديث المطروح بشأن انسحاب الولايات المتحدة من منطقة آسيا والمحيط الباسيفيكي. وقال رافع "ستون بالمئة من قدرات الولايات المتحدة العسكرية والاستراتيجية (...) كلها تركز على أن أكبر تهديد للأمن الاستراتيجي والقومي للولايات المتحدة هو منطقة الباسيفيك."
الآن يطالب الباحثون العسكريون الحكومة الأسترالية بالتفكير في سلاح كان محرماً الحديث عنه من قبل: القنبلة النووية.
تعود تلك الدعوات إلى عوامل أبرزها ارتباط أستراليا عسكريا بالولايات المتحدة، وقرب أستراليا جغرافيا من دول قوية كالصين والهند وأندونيسيا.
لمن تتسلح أستراليا؟

Source: US Department of Defense
تفكير أستراليا في القنبلة النووية ليس جديداً كما يوضح البروفيسور استيفان فيغولينج مدير الدراسات الاستراتيجية والدفاعية في كلية أستراليا الوطنية في كانبرا. وقال فيغولينج "درست أستراليا في الستينيات احتمالية بناء أسلحة نووية، لكنها في النهاية تخلت عن الفكرة لعدد من الأسباب." وقال البروفيسور فيغولينج "وضع المنطقة في سبعينيات القرن الماضي لم يَعُد يَتَطلّب امتلاك أستراليا سلاحا نوويا، حيث انتهى الخوف من الاجتياح السوفيتي، والنزاعات الإقليمية في المنطقة لا تتطلب قنبلة نووية، كما أن المجتمع الدولي آنذاك بدأ يتغير ليصبح مناهضا لتلك الأسلحة."
لكن الباحثون العسكريون في كلية أستراليا الوطنية للدفاع يقولون إن هذا الواقع قد تغير وأن ظروف أستراليا الاستراتيجية تتقلب للأسوأ بشكل لم يحدث منذ أربعين عاما، ولهذا يدرس المتفائلون والمتشائمون على حد السواء التهديدات الأقليمية لأستراليا، ويبحثون في كيفية مواجهة السيناريوهات الأسوأ.
و ويتفق استيفان فيغولينج مع البروفيسور هيو وايت صاحب كتاب "كيف ندافع عن أستراليا" أن التهديد الأكبر من الصين والهند و أندونيسيا، لكن من المبكر القفز لتحديد العدو والصديق في هذه الفترة.

Chinese PLA (People's Liberation Army) soldiers march past the Tian'anmen Rostrum. Source: AAP
وقال فيغولينج "الصين هي الدولة التي تلقي بظلالها على خطط أستراليا الدفاعية في المستقبل، لكن تأثير الصين على هذه الخطط ستحدده بكين وكيف ستتصرف كقوة عظمى في آسيا." وأضاف "هذا السؤال ليس له إجابة حتى الآن، أعتقد أن الصين نفسها لا تعرف كيف ستتصرف عندما تصبح قوة عظمى بعد ثلاثين أو أربعين عاما."
وطبقا للبروفيسور فيغولينج، فإن الصين لن تكون العامل الوحيد الحاسم في سياسات أستراليا الدفاعية. وقال فيغولينج "على سبيل المثال كيف ستتصرف دول الجوار أمام تهديدات المستقبل؟ هل ستصنع أسلحة نووية لردع الصين؟ ما موقف أمريكا من كل هذا؟"
لكن البروفيسور هيو وايت يعتقد أن الولايات المتحدة ستنسحب تماما من المنطقة، وبالتالي على دول المنطقة تحديد استراتيجية للتصرف.
هل تستطيع أستراليا انتاج قنبلة نووية وحدها؟
تعتبر أستراليا من الدول الصناعية المتقدمة والغنية بالثروات المعدنية، وإذا قررت أستراليا صناعة قنبلة نووية، يرى بروفيسور فيغولينج أنها ستتمكن من تصنيعها في فترة زمنية قليلة تتراوح بين أربعة أو خمسة أعوام.
ما لا تملكه أستراليا هو الخبرات اللازمة لصناعة صواريخ بعيدة المدى يمكنها تهديد أراضي القوى الآسيوية الكبرى، هذه القدرة موجودة لدول قليلة في العالم لا يتجاوز عددها ثمانية دول منها الهند وباكستان وكوريا الشمالية بجانب الدول العظمى.
ظروف المجتمع الدولي
إذا توفرت القدرات و التمويل هل يعني هذا أن أستراليا ستتمكن من صناعة أسلحة نووية؟ الخبراء يقولون لا.
العميد وجيه رافع يعتبر أن الأمر ليس بهذه البساطة "المسألة أعقد من أن تمتلك قدرات نووية مستقلة وتعتقد أنك ستتمكن من الابتعاد التدريجي عن الولايات المتحدة. أنا اعتقد أن امتلاك أستراليا قدرات نووية سيجعلها أقرب أكثر إلى النقطة المركزية للصراع بين الولايات المتحدة والصين."
كما أكد البروفيسور فيغولينج هذا الرأي: "من المهم التفرقة بين: الوقت اللازم لصناعة قنبلة نووية، وبين الوقت اللازم لتهيئة الظروف الاستراتيجية والسياسية لاتخاذ هذا القرار." وأضاف "الوقت اللازم لاتخاذ القرار طويل للغاية، لتهيئة الظروف السياسية والاستراتيجية والدولية أيضاً، فاتخاذ هذا القرار قد يضر بعلاقتنا مع الولايات المتحدة و أندونيسيا على المدى القصير، لكن على المدى البعيد لا يمكن استبعاده."