في أحد مزارع العنب الأسترالية، يجلس المدعوون وسط الأشجار في انتظار دخول العروس، وتتقدم جوان إلياس الأسترالية لبنانية الأصل مرتدية فستان الزفاف الأبيض الجميل ذو الطرحة الطويلة، تلمع في عيون جوان السعادة، فيما تجلس أمها لودي إلياس وحيدة صامتة تتأمل ابنتها ويعتلي وجهها مشاعر الفرح والمفاجأة في آن واحد.
على الطرف الآخر تقف خطيبتها جيسكا بيوي مع والدها لإتمام عقد قران جوان عليها، ستصبحان زوجتين لبعضهما البعض، حفل الزفاف استثنائي، يذاع على القناة السابعة الأسترالية تحت عنوان "حفلات الزفاف المحرمة" في برنامج Bride and Prejudice Australia، في هذه الحلقة () قررت جوان وخطيبتها جيسكا إعلان هويتهما الجنسية المثليّة لأستراليا، على الرغم من رفض عائلة جوان عربية الأصل، ورد الفعل المتوقع من الجيران، الأقارب و الأصدقاء.

Jojo Ellias (right) and Jessica Pawa on their wedding day. Source: Instagram
التحول لحب النساء بعد سنوات من مواعدة الرجال
بعد شهور من زواج ابنتها جوان لجيسكا، تسارع لودي إلياس والدة جوان لوصف ابنتها بأنها كانت "طفلة طبيعية ليس بها شئ" خلال سنوات عمرها الأولى، تتذكر الأم شهرة ابنتها بذكائها في المدرسة، كان يطلق عليها "Little Ms. Lawyer" لطلاقتها في التعبير عن نفسها وسط أسرة كبيرة مكونة من أب وأم، أربع أخوات و أخ.
بالنسبة لجوان – التي تفضل اسم جوجو لها وجيس لزوجتها – فقد نشأت في بيت عربي كاثوليكي متدين غير واعية بأنها مثليّة الجنس، بل إنها واعدت بعض الرجال خلال سنوات عمرها الماضية، تصف تجاربها بإنجليزية أسترالية فهي لا تتحدث إلا كلمات بالعربية: "ارتبطت برجل رائع لخمس سنوات لكن لم أشعر بالتواصل معه، حتى عندما واعدت رجالاً آخرين كنت دوماً أحس بأن هناك شيء ناقص، افترضت أني مللت منهم، وبعد علاقتي الأخيرة بدأت أفكر في أني ربما أكون مثلية."

Source: Supplied
بدأت جوجو منذ سنوات بتجربة مواعدة النساء، والتقت بزوجتها الحالية جيس من خلال تطبيق تندر الشهير للمواعدة، وما أن قابلت جيس حتى شعرت جوجو بالتواصل المفقود في علاقاتها السابقة مع رجال: "كان حديثا تشوبه البراءة، حديثا ذا معنى، كانت محادثة جميلة، فوراً أحسست بالتواصل مع جيسكا (..) أحسست بأننا نعرف بعضنا البعض من حياة سابقة، وكأن أرواحنا التقت أخيراً."
حيرة الأسرة بين حب الابنة وسخرية الأقارب

Joanne Ellias (L) and her wife Jessica Pawa. Source: Supplied
تعتقد جوجو أنه من حسن حظها أنها اكتشفت أنها مثليّة في سن متأخرة نسبياً، وذلك بسبب رد الفعل المعادي الذي تعاني منه منذ الإعلان عن ميولها الجنسية وتقول: "لم أضطر لمواجهة هذه العداوات كطفلة، ولا التعرض للرفض من قبل الآخرين في سن مبكرة."
حتى بعد مرور شهور على الزواج، فوالدي جوجو – خاصة الأب – من أشد الرافضين لفكرة زواج ابنته من إمرأة، حيث رفض الأب حضور حفل الزفاف، مما سبب لجوجو مشاعر مختلطة، فهي من ناحية تحترم أن أباها انحاز لقناعاته الكاثوليكية المحافظة، ومن ناحية أخرى يختنق صوتها بالبكاء وهي تقول: "كنت أتمنى أن يسلمني لزوجتي. لكنه أراد أن يسلمني لرجل."
من وجهة نظر الأم وضع إشهار العلاقة على شاشات التلفاز العائلة في ورطة، فهي تعلم بعلاقة ابنتها بجيس منذ فترة وترى أن العلاقة كان يجب أن تظل سرية قائلة: "كان يمكن أن يظلوا معاً دون أن يعرف أحد، لكن الآن كل الدنيا عرفت، وبدلا من أن أسير ورأسي مرفوع لأعلى، مرغت وجهي في التراب."
تقول والدة جوجو إنها وقعت في موقف محير بسبب زواج جوجو، فالأب رافض، والأم كذلك لكنها لا تود التخلي عن ابنتها، تصف حيرتها وتقول: "انزعجت حينما رأيت زوجي حزين جداً، أريد أن أرضي ابنتي لكن أود أن أرضي زوجي، لم أعرف كيف أختار."

Joanne Ellias (L) and her wife Jessica Pawa. Source: Supplied
الرفض الحالي للعلاقة لا يقتصر على الوالدين، فالجيران والأصدقاء يسخرون من الأم بسبب زواج جوجو وجيس، والكاهن في الكنيسة الكاثوليكية قال للأب طبقا لرواية لودي: "قال لزوجي: لا أريد أن أزعجك ولكن إذا جآءت جوان للكنيسة لن أتمكن من مناولتها."
في السنوات الأخيرة انقطعت صلة جوجو بالكنيسة التي تربت فيها، فرغم أنها مازالت تؤمن بالمسيح، إلا أنها تشعر حينما تدخلها بأن هناك من ينظر لها كشخص ارتكب خطيئة.
أس بي أس عربي 24 تواصلت مع الأب إيلي نخول الدكتور في اللاهوت العقائدي، والذي رفض فكرة إدانة الآخرين والحط من منزلتهم قائلا: "طريقة إدانة الآخر أو تكفير الآخر، هي طريقة رفضها يسوع رفضا مطلقا عندما قال: لا تدينوا لكي لا تدانوا، وقبل أن تنظروا لما في عين أخيكم انظروا للجذع الذي بأعينكم."
رغم رفض الأب والأم المعلن للعلاقة بين جوان وجيسيكا، إلا أن هناك تردد في القسوة وحنين للتواصل، ليس هناك قطيعة بين العائليتن فالأم تتواصل مع جوحو: "أنا بحكي معها، لا أفكر في هذه الأشياء، أبوها يحكي معها، يبوس جيس وبيبوس جوان، الحياة قصيرة (..) لن تتمكن من أن تكره ابنك."

Jessica Pewe (L) Lodi Ellias, Sid Ellias and Joanne Ellias. Source: Supplied
تدرك جوان قيمة الوقت في تغيير النفوس، ليس فقط لأمها وأبيها بل لأولئك الذين كانوا قريبين منها وابتعدوا عنها بعد إعلان ميولها الجنسية، ترفض جوان كراهيتهم وتؤمن أنه مع الوقت ستتغير النفوس: "أعتقد أنهم يحتاجون للوقت، قد يختلفون معي، وقد لا يتقبلونني أبداً، لا يمكنني إجبارهم على شيء، لكنهم يحتاجون للوقت."
لا يبدو على جوان أنها ندمت على قرارها الإعلان عن مثليتها وزواجها بحبيبتها على شاشات التلفاز، على الرغم رد فعل العائلة والجالية المحافظة التي نشأت فيها، جوان ستشارك في مهرجان ماردي جراس للمثليين في نهاية الشهر، وستعقد حلقة نقاشية على هامش المهرجان، كما أنها تعقد دورات تدريبية للآخرين لتعلمهم كيف يتقبلون ويحبون أنفسهم، فلماذا تخلق جوجو فرصا لمنتقديها ليستمروا في رشقها بالحجارة؟
بالنسبة لها الدافع لما تفعله أكبر من هويتها الجنسية المثلية، تقول: "أنا امرأة، أنا امرأة لبنانية مثلية، لكني أكثر من ذلك، أنا رسولة للحب، رسولة للمساواة، رسولة للإنسانية، رسولة لتقبل الآخر."