"الأستراليون العرب هم في صميم الأنزاك"، يؤكد هاني الترك، الصحفي المخضرم والفلسطيني اليافاوي الذي يعيش بين ثقافتين، أسترالية وعربية.
"دورهم كان أساسياً، سواء في الحرب العالمية الأولى أو الثانية".
هذه البطولات حفظتها لهم أستراليا في سجلاتها، لكن معظم المهاجرين من أصول عربية يجهلون هذا التاريخ.
"بعد هزيمتهم الأولى في غاليبولي حارب الأنزاك مجدداً الأتراك في بئر السبع بفلسطين وانتصروا"، يقول الترك العارف بتاريخ المنطقة العربية.
سبقوا لورانس العرب والقوات البريطانية إلى تحرير سوريا ولبنان وأسروا في طريقهم 40 ألف جندي تركي
لكن التاريخ كما وصل إلينا "تم تشويهه"، يقول الترك.

Anzacs landing in Gallipoli Source: Joseph McBride
"لا يوجد معرفة كافية"
لورا عون أسترالية لبنانية من الجيل الثاني، ناشطة منذ سنوات في مجال التعددية الثقافية.
"أنظر بإعجاب إلى احتفاء أستراليا بذكرى جنودها الذين خسروا حياتهم في الحرب"، تقول لورا التي تعترف رغم ذلك بأنها وعائلتها لم تحضر يوماً احتفالات الأنزاك.
"بالنسبة لي ولأهلي كان مجرد عطلة رسمية. لم نشعر بالحاجة للاحتفال به".
لورا تقر بأنها لا تعرف الكثير عن مشاركة المهاجرين اللبنانيين في الجيش الأسترالي.
"لا يوجد معرفة كافية بهذا الدور، ومن الجيد زيادة الوعي لأن هذا يعزز شعور الأستراليين اللبنانيين بأنهم جزء من هذا التاريخ".
تذكر لورا أنها في طفولتها كانت تعتبر يوم الأنزاك حكراً على كبار السن الأستراليين الذين يستيقظون فجراً للمشاركة بمراسم الاحتفال، في نفس الوقت الذي بدأ فيه الإنزال في غاليبولي.

Laura Aoun Source: Supplied
"أصدقاؤهم المقربون ربما فقدوا حياتهم في تلك المعارك"، تقول لورا.
لكن عائلتها كانت تكتفي بمشاهدته على شاشة التلفزيون.
بالنسبة للكثيرين كان الأنزاك مجرد عطلة نهاية أسبوع طويلة
حس وطني رغم الظلم
"خلال الحرب العالمية الأولى، كانت المساهمة في المجهود الحربي من خلال الخدمة في القوات الأسترالية وسيلة مهمة للأستراليين اللبنانيين لإظهار ولائهم للبلد الذي اختاره آباؤهم وأجدادهم وطناً لهم"، تقول الدكتورة آن منصور، المؤرخة والكاتبة التي أصدرت عدة مؤلفات عن تاريخ الهجرة اللبنانية إلى أستراليا.
هذا الاندفاع للانضمام إلى الجيش الأسترالي له أهمية كبرى من وجهة نظرها، لأن المهاجرين اللبنانيين الأوائل واجهوا تمييزاً واسعاً على أساس العرق، بما في ذلك منعهم من الحصول الجنسية الأسترالية، كما تقول منصور.
"عبده مباردي، الذي عاش في أستراليا منذ عام 1895، حُرم من الجنسية ورُفض طلبه مرتين عامي 1904 و1911. مع ذلك ظل ولداه، جورج وروبرت، يخدمان في قوات الدفاع الأسترالية".

Dr Anne Monsour Source: Supplied
الحكاية.. من البداية
مصر كانت نقطة انطلاق الأنزاك، يقول هاني الترك.
"كان فندق شيبرد بالقاهرة مركز قيادة القوات الأسترالية والنيوزيلندية قبيل معركة غاليبولي".
هناك قام ضابطان أستراليان بصنع ختم مطاطي كُتب عليه ANZAC اختصاراً لمصطلح "فيلق الجيش الاسترالي والنيوزيلندي" الذي كان عدد كلماته يستهلك مساحة واسعة على صناديق المؤن والشحنات، كما يروي الترك.

Hani Al-Turk Source: Supplied
اسم Anzac ولد في القاهرة
بعد بضعة أيام، وتحديداً في صباح 25 نيسان/أبريل 1915، بدأت قوات الأنزاك هجومها للاستيلاء على شبه جزيرة غاليبولي لفتح مضيق الدردنيل أمام قوات الحلفاء. وكان الهدف هو الاستيلاء على القسطنطينية، التي تُعرف حالياً باسم اسطنبول، وكانت حينها عاصمة الإمبراطورية العثمانية، حليفة ألمانيا.
واجه الأنزاك مقاومة شرسة من الأتراك، وتعثرت خطتهم لإخراج تركيا من الحرب.
على مدار الأشهر الثمانية التي تلت، كان أكثر من 8,000 جندي أسترالي قد فقدوا حياتهم
"مياه البحر في غاليبولي اصطبغت باللون الأحمر لكثرة الدماء التي أهدرت"، يقول الترك.
شعوران متناقضان
دانيال نور صحفي أسترالي شاب من أصول مصرية. هاجر والده إلى أستراليا بعد نكسة 67 بحثاً عن مستقبل أكثر أماناً.
كمهاجر عربي من الجيل الثاني، يملك دانيال رؤيته الخاصة للأنزاك.
"لدي رابط قوي بأستراليا لأنها احتضنت والديّ ومنحتنا حياة أفضل بكثير مما كان ممكناً في مصر. إلا أنني أعتبر التاريخ التوسعي والاستعماري للإمبراطورية البريطانية مثيراً للقلق. لذلك أجد نفسي بين شعورين متناقضين".
ولد دانيال في سيدني، لكنه لا يزال مرتبطاً بجذوره المصرية.

Daniel Nour Source: Supplied
أهمية الأنزاك بالنسبة له تنبع من التاريخ المشترك بين أستراليا ومصر.
قوات الأنزاك والجيش المصري قاتلا معاً خلال الحرب العالمية الأولى
لكن هذا لا يمنعه من التعبير عن موقف مبدئي مناهض للحروب.
"الحرب بنظري مسألة خاطئة وإشكالية بشكل عام، لكنني أدرك أن الحس الوطني كان أساس التضحية التي بذلها الشباب الذين فقدوا حياتهم في الحروب عبر العالم".
عند الفجر بدأ الإنزال
"لا تخافي.. سأعود"، قال والتر أبو طعمة لأمه. وكان وفياً لوعده.
أثناء خدمته في صفوف القوات الأسترالية في غاليبولي، تم إجلاؤه بسبب إصابته بالأنفلونزا. في آب/أغسطس 1916 خدم في فرنسا مع الكتيبة 61 وأصيب في المعارك التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر 1917. في نفس العام تم اختياره للعمل ضمن قوة خاصة لإعادة تنظيم المقاومة ضد الأتراك في العراق وإيران.
عاد والتر إلى أستراليا في آذار/مارس 1919. لكنه عاد مصاباً بمرض السل.
في 1 تشرين الأول/أكتوبر 1920، فارق الحياة عن عمر لم يتجاوز 27 عاماً.
"من بين أفراد عائلة أبو طعمة الخمسة الذين كانوا في سن التجنيد، خدم أربعة منهم في القوات الأسترالية"، تقول الدكتورة آن منصور.

Anzac Day Dawn Service remembers all Australians who have served and died in war and on operational service Source: Australian War Memorial
"خلال الحرب العالمية الثانية، انضم العديد من أحفاد المهاجرين اللبنانيين الأوائل وكذلك الأستراليين اللبنانيين المولودين في لبنان إلى قوات الدفاع الأسترالية، مما أظهر مجدداً عمق ولائهم".
فيما تحتفل أستراليا بيوم الأنزاك بعد 106 أعوام على معركة غاليبولي، ينتظر والتر أبو طعمة ورفاقه من الأستراليين العرب مكانهم المستحق في تاريخ بلدهم.
تضحياتهم قد تجعل من يوم الأنزاك أكثر من مجرد "عطلة رسمية" للكثير من المجتمعات المهاجرة التي تملك الحق بأن تعرف تاريخها الخاص في سياق التاريخ الأوسع لأستراليا.
هكذا يعود والتر أبو طعمة حقاً إلى وطنه.